تشهد الكرة الأرضية حالياً سلسلة تغيرات مناخية تبدو مظاهرها واضحة من خلال الارتفاع غير المسبوق في درجات الحرارة في بعض المناطق والتي أدت إلى مئات الوفيات من جهة ومن خلال موجات الحرائق التي تجتاح روسيا وتسببت بشل الحركة في العاصمة ومدن أخرى كبرى من ناحية ومن ناحية ثالثة الفيضانات والأمطار التي طالت باكستان والهند والصين وتسببت حتى الآن بمقتل الآلاف وتشريد الملايين وخسائر اقتصادية كبيرة تجاوز مليارات الدولارات.
| <table valign="top" class="pictable" align="left" bgcolor="#fff5e6" border="0" cellpadding="0" cellspacing="0" height="100%" width="100%"> <tr> <td class="piccell" align="center" valign="middle"> </td> </tr> </table> |
وقد عرفت الأرض العديد من التغيرات المناخية أرجعها العلماء إلى الكوارث الطبيعية التي تعرضت لها إلا أن الزيادة الكبيرة في درجة الحرارة وخصوصا خلال الـ20 سنة الأخيرة لم يستطع العلماء إخضاعها لأسباب طبيعية حيث كان للنشاط البشري أثر كبير في تفسير هذه الظاهرة التي تعرف بالاحتباس الحراري.
ومن آثار ظاهرة الاحتباس الحراري على كوكب الأرض ارتفاع درجة حرارة الألف متر لسطح المحيطات بنسبة 0.6 درجة مئوية وارتفاع درجة حرارة الثلاثمائة متر السطحية بنسبة 0.31 درجة مئوية ورغم صغر تلك النسب في مظهرها فإنها عندما تقارن بكمية المياه الموجودة في تلك المحيطات يتضح كم الطاقة الكبير الذي تم اختزانه في تلك المحيطات.
وقد تناقص سمك الثلج في القطبين المتجمدين بنسبة 40 درجة مئوية خلال الأربعين سنة الأخيرة في حين أكدت بعض الدراسات أن النسب الطبيعية التي يمكن أن يحدث بها هذا التناقص أقل من 2 درجة مئوية ويؤدي ذوبان الثلوج إلى ارتفاع مستوى البحار ما يهدد بإغراق الجزر الصغيرة والدلتات والسواحل.
ومن آثار ظاهرة الاحتباس الحراري ذوبان الغطاء الثلجي بجزيرة غرين لاند خلال الأعوام القليلة الماضية وقد أدى هذا الذوبان إلى انحلال أكثر من 50 بليون طن من الماء في المحيطات كل عام.
وقد أدت المتغيرات المناخية إلى ارتفاع مستوى المياه في البحار من0.3 0.7 قدم خلال القرن الماضي وارتفعت درجة الحرارة ما بين 0.4 0.8 درجة مئوية خلال القرن الماضي حسب تقرير اللجنة الدولية المعنية بالتغيرات المناخية التابعة للأمم المتحدة.
ويحذر العديد من الخبراء من أن ارتفاع درجات حرارة الكوكب بمقدار 1.5 درجة مئوية عن مستويات عام 1990 سيجعل نحو ثلث الأنواع الحيوانية والنباتية معرضة لخطر الانقراض وسيكون أكثر من مليار شخص عرضة بشكل أكثر لنقص المياه ويرجع ذلك بالأساس إلى ذوبان الثلوج الجبلية والمساحات الجليدية التي تعمل كخزان طبيعي للمياه العذبة.
وأفادت دراسة نشرتها مجلة ساينس الأمريكية إن ظاهرة الاحتباس الحراري ستزيد من مخاطر انتشار الأوبئة بين الحيوانات والنباتات البرية والبحرية مع زيادة مخاطر انتقال هذه الأمراض إلى البشر.
ومع ارتفاع درجة الحرارة يزداد نشاط ناقلات الأمراض فتصيب عدداً أكبر من البشر والحيوانات وقد وجد أن فصول الشتاء المتعاقبة والمعتدلة حراريا فقدت دورها الطبيعي في الحد من مجموعة الجراثيم والفيروسات وناقلات المرض كذلك فقد لوحظ أن فصول الصيف في العقد الأخير من القرن الماضي زادت حرارةً وطولاً ما زاد من المدة التي يمكن للأمراض أن تنتقل خلالها إلى الأجناس الحية الشديدة التأثر بالتغييرات الحرارية وخصوصاً في البحار والمحيطات.
وتنتج ظاهرة الاحتباس الحراري بسبب كثرة الغازات وعلى رأسها غاز الكربون الناتج عن احتراق البترول والفحم حيث تمتص الأرض الطاقة المنبعثة من الإشعاعات الشمسية وتعكس جزءا من هذه الإشعاعات إلى الفضاء الخارجي وجزءا من هذه الطاقة أو الإشعاعات يمتص من خلال بعض الغازات الموجودة في الغلاف الجوي، وهذه الغازات هي الغازات الدفيئة التي تلعب دوراً حيوياً ورئيساً في تدفئة سطح الأرض للمستوى الذي تجعل الحياة ممكنة عليه.
وتقوم هذه الغازات الطبيعية على امتصاص جزء من الأشعة تحت الحمراء المنبعثة من سطح الأرض وتحتفظ بها في الغلاف الجوي لتحافظ على درجة حرارة سطح الأرض ثابتة وبمعدلها الطبيعي أي بحدود 15 درجة مئوية ولولا هذه الغازات لوصلت درجة حرارة سطح الأرض إلى 18 درجة مئوية تحت الصفر.
ويحتوي الجو حاليا على 380 جزءا بالمليون من غاز ثاني أكسيد الكربون الذي يعتبر الغاز الأساسي المسبب لظاهرة الاحتباس الحراري مقارنة بنسبة ال 275 جزءا بالمليون التي كانت موجودة في الجو قبل الثورة الصناعية أي أن مقدار تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي أصبح أعلى بحوالي 30 مئوية عما كان عليه تركيزه قبل الثورة الصناعية.
وقد ازداد تركيز غاز الميثان إلى ضعف مقدار تركيزه قبل الثورة الصناعية كما ازداد غاز الكلوروفلوركاربون بمقدار 4 مئوية سنويا عن النسب الحالية وأصبح أكسيد النيتروز أعلى بحوالي 18 مئوية من مقدار تركيزه قبل الثورة الصناعية.
يتطلب الحد من ظاهرة التغير المناخي جهداً كبيراً ونفقات باهظة للحد من انبعاث الغازات الدفيئة ويمكن أن يتم خفض نسبة الغازات الدفيئة باستخدام مصادر بديلة للطاقة لا تلوث البيئة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرها والحد من استخدام وسائل النقل الخاصة والاعتماد بشكل متزايد على وسائل النقل العام وتطوير السيارات التي تسير على الطاقة الكهربائية وغيرها.
يذكر أن الاحتباس الحراري هو تسخين الأرض والمحيط والهواء عن طريق حبس جزء من حرارة الشمس بواسطة بعض غازات الغلاف الجوي الدفيئة التي تزداد نتيجة النشاط البشري لدرجة أصبح مقدارها يفوق ما يحتاجه الغلاف الجوي للحفاظ على درجة حرارة سطح الأرض ثابتة وعند مقدار معين فوجود كميات إضافية من الغازات الدفيئة وتراكم وجودها في الغلاف الجوي يؤدي إلى الاحتفاظ بكمية أكبر من الطاقة الحرارية في الغلاف الجوي وبالتالي تبدأ درجة حرارة سطح الأرض بالارتفاع.