السلام عليكم إخوتي الكرام، دون الإطالة في الكلام سأدخل مباشرة
في الموضوع، وقد اخترت سيدنا إسماعيل –عليه السلام- وفي لطائف قصته ما يلي:
قوله عز وجل: "فلما بلغ معه السعي قال يا بني" (الصافات: 102)
معناه انه بلغ الحالة التي يكون فيها السعي، وقيل انه بلغ ثلاث عشرة سنة،
عن ابن عباس قال: (السعي: هو العمل) قوله تعالى: "وان سعيه سوف يرى"
(النجم: 40)، "وكان سعيكم مشكورا" (الإنسان: 22)، وقوله "يا بني" (الصافات:
102) على معنى التصغير والألطاف، "إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا
ترى" (الصافات: 102).
وقيل: انه نودي في المنام يا إبراهيم عهدك الذي عاهدت أن لو أعطاني
الله ولدا وأمرني بقتله، لقتلته، أتقرب به إلى الله تعالى، فلما رأى ذلك
احضر ابنه ولم يكن له ولد غيره، وولد بعد ذلك بسبع سنين إسحاق. فقال له:
إني أذبحك قربانا "فانظر ماذا ترى" أترضى أم لا، وقيل معناه: انظر ماذا ترى
في هذا الأمر الذي رأيت في المنام، ليعلم فهم ا بنه: أوحي هو أم غيره.
فقال: "يا أبت افعل ما تؤمر" (الصافات: 102)، علم أن رؤيا الأنبياء وحي
وانه أمر من الله تعالى، قال كذلك له: افعل ما تؤمر.
وقيل: لما قال: "انظر ماذا ترى" أي ما فيه رأيك وتدبيرك، فشاوره،
تطييبا لقلبه، كما قال تعالى: "فشاورهم في الأمر" (أل عمران: 159) تطييبا
لقلوبهم.
وقوله: "ستجدني إن شاء الله من الصابرين" (الصافات: 102) محتسبا نفسي
لأمر الله تعالى، قوله: "فلما اسلما" (الصافات: 103) أي: فوضا وأطاعا
واتفقا على القتل "وتله للجبين" (الصافات: 103) صرعه على جبينه للتل يعني
الجبل، "ونادينا هان يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا" (الصافات: 104/105) رأى في
المنام انه يذبحه ولم ير انه ذبحه فبلغ من الأسباب إلى الأمر الذي كان
رآه، فلذلك قال: "قد صدقت الرؤيا" لأنه "أنا كذلك نجزي المحسنين" (الصافات:
105) الراضين والمصدقين الوافين.
ولطائف هذه: أن الله تعالى قال: "إن إبراهيم لأواه حليم" (التوبة:
114) مدحه بحلمه فكاد أن يعجب فرفعه الله تعالى قوله: "وكذلك نري إبراهيم
ملكوت السموات والأرض" (الأنعام: 75)، لأنه كلما رأى عبدا على فاحشة قال:
يا رب أهلكه. فقال الله عز وجل: يا إبراهيم لو مكثت ها هنا ساعة أخرى،
لأهلكت العباد كلهم بدعوتك. يا إبراهيم إني أرى كل يوم ألف ألف عاص على
المعصية ولا أهلكهم. قال تعالى: "وليكون من الموقنين" (الأنعام: 75) أن
الرب على العرش احلم منه في الأرض، فلما أراه الله حلمه على العباد رده إلى
الأرض، ليريه أن من المخلوقين من هو احلم منه. فقال: يا إبراهيم اذبح
ولدك، فقال لابنه: "يا بني إني أرى في المنام إني أذبحك فانظر ماذا ترى قال
يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين" إن تصلح نفسي ودمي
للرب تعالى فعجل واذبح، فانه لا كل أذن تصلح لاستماع كلامه، ولا كل عين
تصلح لرؤيته، ولا كل لسان يصلح لذكره، ولا كل مال يصلح ليذبحه، ولا كل قدم
تصلح للسعي والطاعة، ولا كل قلب يصلح لوده، ولا كل نفس تصلح لخدمته، افعل
ما تؤمر. قال: يا بني حتى اشد يديك، قال: لم؟، قال: لأنك لا تصبر على القتل
وحدة السكين فتضطرب، قال: لا تشمت بي العدو أترى إني لا أرضى بحكم ربي، لا
بل ضع أنت السكين على الأرض واجر أنا حلقي منه في الأرض، وربه في السماء
احلم منه فوق العرش.
سئل بعض الحكماء: ما الحكمة في أن الخليل شاور ابنه في الذبح؟
فقال: لان إبراهيم طلب من الله ولدا صالحا، فلما أمر بذبح ولده شاور ابنه،
ليعلم أن الولد الذي رزقه الله وأجابه في دعوته هو الولد الصالح.
وان الله تعالى أمر بذبح إسماعيل –عليه السلام- لا ليذبحه، لكن ليريه
أن هذا هو الولد الصالح الذي سأل.
ومنها ما حكي أن إسماعيل –عليه السلام- لما قال: "افعل ما تؤمر"
استسلم لقضاء ربه، ومن عادة الصبيان الجزع عند الألم، ومن طبع الحديد
القطع، فلما صبر إسماعيل وغير عادته لأجلي غيرت طبع الحديد لأجله حتى لا
يقطع. كذلك حالك أنت كأنه يقول مشيرا: عبدي كان من عادتك عدم احتمال البلية
والجزع عند النوائب فان غيرت طبعك لأجلي واستسلمت لقضائي في الدنيا، فان
طبع النار الحرق وأنا أغير طبعها لأجلك حتى لا تحرقك في العقبى فتقول لك:
جز يا مؤمن فقد أطفا نورك لهبي.
ومنها ما روي عن مجاهد: أن إبراهيم –عليه السلام- لما أراد أن يذبح
ابنه قال له: يا أبت خذ بناصيتي واجلس من كتفي، لئلا أؤذيك إذا أصابني جز
الحديد ففعل إبراهيم. فلما أمر بالسكين على حلقه انقلبت. قال الله تعالى:
"فلما اسلما" أي استسلما "وتله للجبين".
وهو لما وضع جبهته كما وضع الساجد بعدما وجب عليه الذبح، فلحرمة تعفر
وجهه في التراب، دفعت عنه الذبح. كذلك العاصي المستحق للحرق فلحرمة سجوده
في طول عمره، ادفع عنه الحرق، كما روي في بعض الأخبار أن ملكا يقول: يا نار
احرقي ويا نار انضجي ويا نار لا تقربي موضع السجود.
ومنها ما قيل أن إبراهيم لما قال: فانظر ماذا ترى؟ قال: يا أبت حين
ألقيت أنت في النار، ماذا كنت أنت ترى؟ قال: فوضت الاختيار إلى الله تعالى
في إلقائي في النار. قال إسماعيل: وأنا فوضت الاختيار إليه بذبحي.
ومنها ما قيل أن الخليل لما أراد ذبح إسماعيل قال: شد يدي ورجلي،
كي لا يصيبك أذى فلما فعل. قال: أطلق لي رجلا واحدا، لتعلم الملائكة انه عن
رضي مني وطيب نفسي واني لم اجزع، فجرت السنة كذلك في الذبائح.
ومنها ما قيل أن إسماعيل كان شاكرا صبورا وإبراهيم كان جزعا
مضطربا. قيل: ما الحكمة من جزع الخليل وسكون ولده؟ قيل: ما يجب له السكون
والفرح، لأنه جزع إبراهيم من الابن إلى أمه هاجر، وكان رجوع إسماعيل من
الأب إلى الرب.
ومنها ما قيل في قوله تعالى: "يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا" لما فعل.
قال له: كان يراد منك قطع علائق القلب، لا قطع الحلق كافة، قال الله: يا
خليلي لقطع ويا سكين لا تقطع فان لي في أمره سرا وأمرا وتقديرا وتدبيرا،
ويا موسى ادخل البحر ويا بحر لا تغرق، فان لي في امره سرا، لذلك مفهوم
الإشارة عنه يوم القيامة، يقول الله تعالى : "يا مالك ادخل العصاة النار
ويا نار لا تحرقيهم فان لي في أمرهم سرا".
ومنها ما قيل أتى بالكبش ويداه مشدودتان إلى قرنه، وكل ذلك موافقة
لإسماعيل، لأنه كان مشدود اليدين والرجلين، فأتى بذلك كذلك، وأنت لو وافقت
ربك لرأيت العجائب مي لطفه.
ومنها ما قيل لما خلصه الله من الذبح دعا بدعوات فقال: "اللهم
اغفر لكل من صلي (صلي بالنار أي قاسى حرها)، ولكل من أصابته محنة ويذكر
محنتي فرج عنه"، وقال: "يا رب حاجتي إليك أن تغفر لكل مؤمن ومؤمنة يذكرك،
فاني أسألك كما بردت النار على خليلك إبراهيم وأنجيتني من الذبح، كذلك خلص
المؤمنين من النار".
ومنها ما قيل انه أمره بتعليق قرن الفداء على الكعبة. أشار إليه أن
علق قلبك بعرشي. وكذلك حال المحب قلبه معلق بالعرش في حياته فإذا مات
علقته الرحمة.
ومنها ما قيل "وفديناه بذبح عظيم" (الصافات: 107) وصفه بالعظمة (أي
عظيم القدر ولم يرد عظيم الجثة) لئلا يدخل في حد محدود، إذ لو كان حدا
محدودا، لوجب الاقتداء به فكان ذلك صائرا بالمسلمين فكان فيه تكليف المشقة.
ومنها ما قيل أن الفداء كان ذلك القربان الذي تقرب به هابيل إلى
الله تعالى، فتقبله الله منه ورباه في روضة من رياض الجنة، لفداء إسماعيل.
ومنها ما قيل انه لما صرع (الصرع هو الطرح بالأرض) إسماعيل للذبح
كشف الله له عن الجنة، ليسهل عليه الذبح عند رؤيته إياها. فكذلك يفعل
بالمؤمن عند النزع يكشف الله له عن الجنة، فيرى ما وعد الله تعالى فيها من
نعيم، ليسهل عليه الموت وبذل الروح عند النظر إليها، كما روي عن النبي –صلى
الله عليه وسلم- انه قال: " لا يدخل احد الجنة حتى يرى مقعده من النار لو
أساء، ليزداد شكرا، ولا يدخل احد النار إلا رأى مقعده من الجنة لو أحسن،
ليكون عليه حسرة". –الحديث أخرجه الإمام مسلم في كتاب الجنة-
من كتاب لطائف قصص الأنبياء
أرجو أن تروقكم ولكم أن تستخلصوا العبر
لكم
مني ألف تحية وتحية
منقول