كنت دائما ابحث وأفرأفي كثير من الكتب عن قصص الانبياء ومعجزاتهم
التي تدل على قدرة الله عزوجل، ولكن كنت دائما احاول إيجاد امور خاصة عن
الانبياء -عليهم السلام-حتى وقع بين يدي كتاب بعنوان (لطائف قصص الانبياء)،
لايقوم بإعطاء سيرة عن حياتهم إنما لطائف وخصائص اخرى عنهم، ووددت ان انشر
بعض ما قرأت في هذا الكتاب، والبداية تكون مع سيدنا أيوب، وفي لطائف قصته:
يقول تعالى:"وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر" -الانبياء 83- أي أصابني البلاء في جسدي
"وانت أرحم
الراحمين"، وكان أيوب -عليه السلام- عل ومرض كل شيء من امره غلا
ثلاثة ، عينيه ولسانه وقلبه، وأوقع الدود في لحمه، وابتلي حتى غن امرأته
جعلت تبيع قرون شعرها، وعظم أمره في البلاد، قال ابن العباس: كان اسمها
ماحين ابنة منشا بن يوسف بن يعقوب -عليه السلام- فغن قال قائل: كيف يكون
أيوب صابرا وهو مستغيث جزع، قال عز وجل:
"إنا وجدناه
صابرا نعم العبد" -ص 44-، وهو قد قال: ربي قد "مسني الضر" الجواب
فيه من وجوه:
منها: إن أيوب -عليه السلام- صبر في
وقت، فأخبر الله تعالى عن صبره، وجزع في وقت فأخبر الله عن جزعه، وقيل:
ألااد الله ان يجزع من بلائه وخصه لمن بعده، لانه لو لم يجزع لكان لا يجوز
ان يجزع بعده احد، وكان الله يحب أن يقتدى به في الجزع على الألم والجلد.
وقيل: غن أيوب -عليه السلام- تكلف في
الصبر والجزع، فكان يجد حلاوة حتى قيل: انه سقطت منه دودة فحملها ووضعها
على جرحه، فأراد الله تعالى أن يريه مافيها فأصاب منها ألما فجزع فقال:
"مسني الضر" حتى يعلم أن الصبر بالله لابنفسه.
وقيل: إنه كانت الديدان تأكل لحمه ، فعلا
اللحم، فصعد اللسان والقلب، فصاح، وقال: "مسني الضر" لأجلك لا لأجلي، لأن
القلب موضع التوحيد، واللسان موضع الذكر.
وقيل: إنه تأخر عنه الوحي أياما فاغت،
فقال "مسني الضر" منك وبك، وكانت شكواه من ربه إلى ربه، فمن شكا من ربه إلى
ربه فليس يجزع، وقال يعقوب: "فصبر جميل" -يوسف 83- والصبر الجميل
الذي لايشكو العبد من الله إلى غير الله، ألا ترى أنه يقول: "إنما أشكو بثي
وحزني إلى الله" -يوسف 86-.
وقيل: منها بيع امرأته ذوائها، قيل معناه:
"مسني الضر" معك "وأنت أرحم الراحمين" -الانبياء 83-.
ومنها ما قيل: إن الله أوحى إلى أيوب
-عليه السلام- إني أريد أن أبتليك. قال: يا رب أين يكون قلبي في البلوى؟
فقال الله: معي. فقال: يا رب رضيت.ثم قال له: أنعم عليك بعد البلاء. فقال:
أين يكون قلبي في النعمة؟ فقال: مع الأهل والولد والمال، فقال عند ذلك:
"مسني الضر" إذ لم يكن قلبي نعك.
وقيل: إنه لما قال: "إني صبرت" في بعض
مناجاته قال الله تعالى له: لولا أني وضعت تحت كل شعرة صبرا ما صبرت على
البلاء فحينئذ حسر (اغتم وندم) وقال: إلهي سروري بك فإن تستأهلني فبصبرك
لابفعلي.
ومنها ما قبل: إن أيوب لما ابتلي بذهاب
المال والولد، بقي مجردا مع ربه قد ذاق حلاوة المناجاة، واستعذب البلوى لما
يجد من حلاوة النجوى. كذلك قصة آدم -عليه السلام- لما أهبط من الحنة إلى
الأرض، تغيرت عليه الأحوال، فأكرمه ربه بالسجود بعد التوبة حتى جمع له
الطيبات كلها في الشجرة، فلما رفع رأسه سأله إبليس فأخبر بما وجد من
اللذاذة، فقال: بطل ما معي، ظننت أنه قد قطع فإذا هو وصل، وكذلك قصة موسى
-عليه السلام- حيث كان يقدح النار والمقدحة لا تورى (بمعنى توقد) فتجرد
(قام) ورمى المقدحة ودقها فقيل له: لاتجرد إن الله أطفأ النيران لأجل ولي
بكلمة، فقال موسى: ليتني رأيت ذلك الولي، فكلمه الله تعالى فصحبته سرور
بكلام الرب تعالى.
ومنها ما قيل إن الحكمة من أنه أنزل على
أيوب جرادا من ذهب، هو أن يعرف الخلق أن ذلك الشأن من الخالق لامن جهة
المخلوق، لأن الحيوان (الجراد) لايقدر على التشلبه إلا أن يشاء الخالق
سبحانه، حتى إنه روي أن الجرادة وقعت بعيدا منه، فأخذها أيوب -عليه السلام-
قالت له زوجته: أما يكفيك الذي أنزل عليك، فقال: أما رأيت ذلك اليوم رددت
الدودة إلى جسدي، فلذلك أخذت النعمة كما أخذت البلاء. إذ الكل من عند الله
هدية، تلك جرادة بدودة.
ومنها ما قيل: إن أيوب -عليه السلام- لما
أن سقطت منه الدودة، أخذها خشية وأبعدها عن نفسه، فنودي: أن يا أيوب أتظهر
لي جرأة من نفسك عند نزول البلاء عليك، فقال: "مسني الضر" حيث لا فرار
معك، ولا وجه للفرار منك.
ومنها قوله تعالى: "وخذ بيدك ضغثا فاضرب
به ولا تحنث" -ص44- [/color]وذلك أن أيوب حلف ليضربن امرأته مائة جلدة، لما
باعت ذوائبها، فلما برئ من علته ومرضه قال الله تعالى:
"وخذ
بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث" قال الضغث: ما جمعت مثل حزمة، وما
قام على ساقيه وجمعته فهو ضغث. قال أبو عبيدة: الضغث مثل الكف من الشجرة
والحشيش، وقال الضحاك: الضغث الشجر الرطب، قال ابن عباس: قبض قبضة من سنبل
فوسعت كفه مائة سنبلة.
والنكتة فيه يا أيوب لها حق الخدمة، فإن ضربتها لم تقض حق حرمة الخدمة
وإن لم تضربها حنثت في يمينك، فخذ بيدك ضغثا لايصيبها ألم، ولا تبطل حق
الخدمة ولا تحنث أنت في يمينك، كذلك يقول الله تعالى: "عندي لك حق الخدمة
ولي عليك حق الأمر و النهي والنعمة"، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:
يقول الله تعالى يوم القيامة: عبدي أد حقي من قبلك، حتى أؤدي حقك قبلي،
والحديث أن المريض إذا أوجب عليه الحد، فإن كان مريضا لايرجى برؤه فيجري
عليه الحد بالضرب الوجيع، فذلك إن كان في البرد الشديد وفي الحر الذي يخاف
منه التلف، وأما إذا وجب عليه الرحم فلا ينظر في أمره، لأنه إنما يراد به
التلف فلا وجه لاستبقائه، وفي هذه المسائل لطيفتن من طريق النكت والحكمة:
إحداهما: أن المريض إذا اشتد عليه
مرضه لايقام عليه الحد، كي لايجتمع عليه ألمان: أم المرض وألم الحد، كذلك
الله تعالى لايجمع ع لى عبده العاصي غمين: غم المحاسبة والعقوبة، وغم
الفرقة والقطيعة، فيكتفي منه بواحدة وهو العذاب والأدب، ذلك هو الحد العاصي
في الدنيا وهذا الحد الجافي في العقبى.
الطيفة الثانية: أنه أسقط الحد عن
المريض الذي لايرجى برؤه، لأن الفصد فيه التأديب لا القتل، كذلك أمرت
السلطان أن يخفف عنك كذلك العاصي إذا دخل النار أقول لمالك: لا تقربه إلى
العظماء، ولا تعذبه عذاب الكفرة، لأن القصد في إدخاله النار التأديب لا
القطع بالتعذيب، ودلك قوله تعالى:
"وينجي الله الذين
اتقوا" -الزمر 61- عذرا على الإطالة، ومع لطائف أخرى إن راقتكم
منقول