المياه الدولية مقدمة تتكون موارد المياه فى العالم من مياه البحر التى تشكل 97% من المياه فى العالم، ومن المياه العذبة التى تمثل الـ 3% الباقية. ومن الأخيرة يوجد نحو 78% فى الجليد والثلوج فى القطبين الشمالى والجنوبى، و21% تحت سطح الأرض كمياه جوفية، ونحو 1% فى الأنهار والبحيرات. ومعظم موارد المياه فى العالم مشتركة بين دولتين أو اكثر. فهناك 261 حوض نهرى دولى تشكل 45% من اجمالى مساحة الأرض، وهناك نحو 70% من النظم البيئية البحرية - والتى يتم صيد 95% من الأسماك فى العالم منها- مشتركة بين عدة دول. ويعرف مرفق البيئة العالمية " المياه الدولية" بأنها: المحيطات، النظم البيئية البحرية الكبيرة، البحار المغلقة وشبه المغلقة، الأنهار، البحيرات، نظم المياه الجوفية، والأراضى الرطبة التى لها أحواض صرف مشتركة بين دولتين أو أكثر.
وتهدد الأنشطة البشرية الغير ملائمة هذه الموارد المائية الدولية التى تعتمد عليها حياة البلايين من السكان . وتتضمن التهديدات مايلى:
- تدهور نوعية الموارد المائية العابرة للحدود، نتيجة التلوث من الأنشطة البشرية المختلفة على سطح الأرض (على سبيل المثال التلوث بالكيماويات السامة، المواد المغذية، الرسوبيات ، المخلفات المختلفة، وغيرها).
- تدهور موائل المناطق الساحلية والبحيرات والمجارى المائية الطبيعية (مثل الأراضى الرطبة، المانجروف، الشعب المرجانية..الخ) نتيجة الإدارة الغير ملائمة ( مثل التجريف، الإنشاءات الساحلية، صرف المخلفات الزراعية والصناعية، تحويل الأراضى لإستخدامات تؤدى الى تدهور البيئة ..الخ).
- ادخال الملوثات وانواع الكائنات الغير فطرية (الغريبة) التى تسبب اضطرابات فى النظم البيئية المائية، مما قد ينتج عنه آثار مختلفة على صحة الانسان.
- الاستغلال المفرط للموارد المائية الحية وغير الحية، نتيجة سوء الادارة والتحكم (على سبيل المثال، الصيد الجائر والسحب الزائد للمياه الجوفية).
ويؤدى تدهور نظم المياه البحرية والعذبة ( السطحية والجوفية ) الى آثار بيئية سلبية متنوعة يترتب عليها زيادة المشكلات والأعباء على الفقراء، خسارة حقيقية للإقتصاد، مشاكل صحية، و تكاليف باهظة لإعادة تأهيل النظم البيئية التى اصابها التدهور. ونظرا لأن نظم المياه البحرية والعذبة تشكل مصادر هامة للدخل والغذاء لجزء كبير من سكان العالم، فقد أدى التدهور المتزايد لهذه النظم، نتيجة عولمة التقدم التكنولوجى لصيد الأسماك، والتلوث، وتدمير الموائل، الى تهديد الأمن الغذائى فى مناطق كثيرة. هذا ويمكن أن نجمل الحديث عن المياه من خلال قسمين لا يقل أيهما أهمية عن الآخر وهما
أولاً المياه العذبة
ثانياً المياه المالحة
أولاً المياه العذبة
|
تقدر كمية المياه العذبة المتاحة فى العالم للاستغلال بنحو 9000 كيلومتر مكعب. ونظرا لأن توزيع السكان فى العالم، وتوزيع المياه الصالحة للإستخدام غير متكافئين، تتفاوت المياه المتوفرة محليا تفاوتا كبيرا. ويقدر ان نحو 41% من سكان العالم يعيشون فى مناطق ضغط مائى (اقل من 1700 متر مكعب ماء/فرد/سنة)، وفى مناطق ندرة مائية (اقل من 1000 متر مكعب ماء/فرد/سنة). ومن المتوقع ان ترتفع هذه النسبة الى 48% فى عام 2025 نتيجة الزيادة السكانية فى العالم. هذا وقد ارتفع استخدام المياه فى العالم من 579 كيلومتر مكعب عام 1900 الى 1382 كيلومتر مكعب عام 1950 و 3973 كيلومتر مكعب عام 2000. ويستخدم من المياه المسحوبة فى العالم نحو 70% فى الزراعة و20% فى الصناعة و10 % فى الاستخدامات المنزلية والتجارية (البلدية). نوعية الميـــاه . لم تعد القضية بالنسبة للمياه العذبة مجرد وفرة المياه فحسب، بل أصبحت ايضا قضية نوعية المياه. فلقد ازداد تلوث المياه السطحية والجوفية بدرحة ملحوظة. وتؤثر المياه الملوثة على صحة ما يقرب من 2 مليار من سكان العالم كل عام. فالمياه الملوثة تسبب وفاة حوالى 15 مليون طفل تحت الخامسة من العمر كل سنة، كما تؤدى الى الاصابة بنحو 1.5 مليار حالة بالطفيليات المعوية المختلفة، ونحو مليار حالة اسهال و400 مليون حالة ملاريا. وتقدر منظمة الصحة العالمية ان حوالى 3.5 مليون شخص يموتون سنويا من هذه الأمراض- 2.2 مليون منهم من امراض الاسهال وحدها. ويقدر ان هناك ما يقرب من 20% من سكان العالم ليس لديهم امدادات مياه صالحة للشرب، كما ان هناك ما يقرب من 50% من سكان العالم محرومين من خدمات الصرف الصحى.
معظم الأنهار والبحيرات فى العالم تعتبر من المصادر المشتركة (أى مياه دولية). ويجرى استخدام هذه المجارى المائية على أساس التعاون بين دول حوض النهر . فقد أبرمت المعاهدات ، وأنشئت المنظمات الإقليمية لتنظيم استخدام هذه المصادر ( مثل إتفاقيات نهر الراين والدانوب فى أوروبا، ونهر النيل فى أفريقيا وغيرها). وتاريخيا عالجت الإتفاقيات والمعاهدات قضايا تخصيص حصص المياه وتنظيم الملاحة وصيد الأسماك وبناء المنشآت العامة مثل السدود والخزانات وغيرها من وسائل إدارة موارد المياه. وقد بنيت هذه الإتفاقيات على اساس احدى مبادىء القانون الدولى التى تنص على حسن الجوار وعلى إستخدام الموارد الذاتية دون الحاق أضرار بالآخرين. وفى عام 1997 اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية دولية جديدة حول قانون الإستخدامات الغير ملاحية للمجارى المائية الدولية. ومن أهم ملامح هذه الإتفاقية انها تضع القواعد العامة للأصول الكلية المتعلقة باستخدامات الأنهار فى غير شئون الملاحة، والقواعد الأساسية التى يتم بمقتضاها تقاسم الموارد المائية للأنهار بوجه عام. ومنذ السبعينيات من القرن الماضى بدأت بعض الإتفاقيات الخاصة بمصادر المياه المشتركة تتضمن موادا خاصة بحماية البيئة، بعد أن إتضح أن النشاطات الإنمائية فى دولة من الدول قد تؤدى إلى تدهور نوعية المياه. وقد ينتقل هذا التدهور إلى دولة أخرى مشاركة فى نفس المصدر . فمثلا ركزت إتفاقيات عام 1972 و1978 الخاصة بالبحيرات العظمى بين كندا وأمريكا، على التدابير المختلفة لحماية بيئة البحيرات من التلوث بمخلفات الصرف الصحى، وبالمواد السامة (مثل المبيدات والرصاص والزئبق وغيرها)، التى كانت تصرف فى أجزاء من هذه البحيرات. ومنذ عام 1980 عملت الدول الأوروبية على وضع برامج مشتركة لحماية بيئة نهر الراين والدانوب. لقد ظل النهج التقليدى لتنمية موارد المياه حتى الآن يعالج المياه بوصفها موردا طبيعيا فى حد ذاته ودون إعتبار للعلاقة بين مجارى المياه والنظم البيئية المجاورة. وعادة ما يتمثل نهج إدارة المياه فى إنشاء السدود والخزانات بأحجام مختلفة من أجل التحكم فى الفياضانات وتخزين المياه لاستخدامها حسب الحاجة. وقد أقيمت مئات الآلاف من السدود والخزانات فى كافة أنحاء العالم، وأدت إلى منافع كثيرة ولكنها لم تخل أيضا من أضرار مختلفة بالبيئة. فغالبا ما يترتب على تشييد السدود عدة آثار طبيعية وبيولوجية وكيميائية وإجتماعية وإقتصادية. ومنذ الثمانينات بدأ التفكير فى إتباع خطط متكاملة لتنمية مصادر المياه المشتركة والنظم البيئية المحيطة بها . فمثلا إشتركت ثمانى دول أفريقية فى وضع خطة متكاملة للإدارة البيئية لحوض نهر زامبيزى المشترك. وتهدف هذه الخطة إلى تعظيم الإفادة من مياه النهر فى الرى وسد حاجة السكان فى هذه الدول وكذلك تنمية الحياة المائية - خاصة الثروة السمكية - والحياة البرية فى حوض النهر لخدمة التنمية الشاملة. ثانياً المياه المالحة
|
تغطى البحار ما يزيد عن 70% من سطح الأرض وتمد الإنسان بالغذاء والطاقة والمعادن . وتعتبر البحار مسكنا لمجموعة واسعة من أنواع النبات والحيوان . من ناحية أخرى يعيش 60% تقريبا من سكان العالم فى المناطق الساحلية أو القريبة منها . ففى بعض أجزاء جنوب شرقى آسيا يعيش 75% من السكان على السواحل مباشرة . وتعتبر المناطق الساحلية مناطق سياحية وصناعية وتجارية مختلفة. كما تعتبر من أكثر المناطق البحرية إنتاجية. فمعظم الثروة السمكية فى العالم توجد فى المناطق الساحلية، ويوجد بها أكثر النفط والغاز الطبيعى . وفى بعض البلدان تعد الأنشطة البشرية فى المناطق الساحلية مصدر الدخل القومى الرئيسى . وتعتبر المناطق الساحلية أكثر الأماكن تعرضا لإساءة الإستعمال فى البيئة البحرية فهى تستقبل التصريفات المباشرة من الأنهار والمصارف والمجارى المختلفة كما أنها تستقبل مختلف الملوثات من السفن. ولقد قدر التصريف المباشر من الأنهار فى البحر بما يصل إلى 13500 مليون طن من المواد العالقة، 50% منها يصب فى البحار الآسيوية. بالإضافة إلى هذا تتلقى البحار فى العالم ما يقرب من 300 مليون طن مواد عالقة من الصرف الصحى و215 مليون طن من الرسوبيات نتيجة عمليات الحفر فى المناطق الساحلية و11مليون طن نفايات صناعية و6‚5 مليون طن قمامة وحوالى 2‚3 مليون طن نفط ( التسرب الطبيعى للنفط ومن عمليات الإنتاج والنقل تحت الظروف العادية - أى لا يشمل حوادث الناقلات ) . ويتحدد مصير النفايات التى تدخل البحر طبقا لتركيبها الكيميائى والعمليات الطبيعية مثل إختلاطها بمواد أخرى وأثر التيارات البحرية عليها .... الخ . وهناك بعض النفايات تتحلل بسرعة إلى مواد غير ضارة. بيد أن وجود هذه المواد بتركيزات عالية قد يؤدى إلى عــــدة إضطرابات بيئية ( مثل التخثث ) . أما النفايات التى لا تتحلل ( مثل المعادن والمركبات العضوية غير القابلة للتحلل ) فإنها ترسب كما هى إلى القاع خاصة فى المناطق الساحليـة حيث يمتص بعضها بواسطة الأحياء . وهناك بعض الأحياء التى تستطيع أن تحول هذه المركبات إلى مركبات أخرى أكثر سمية مثل تحويل الزئبق غير العضوى إلى زئبق المثيل، الذى أدى إلى إنتشار مرض " المنياماتا " فى اليابان عندما أكل الناس بعض هذه الأحياء البحرية الملوثة بمركبات الزئبق. من ناحية أخرى تتسبب الكائنات الحية التى تتسرب مع مياه الصرف الصحى وغيرها إلى البيئة البحرية الساحلية فى إصابة الإنسان بأمراض مختلفة . فالإستحمام فى مياه البحر الملوثة بمياه المجارى يؤدى إلى إصابة الإنسان بالإضطرابات المعوية بنسبة أعلى من المستوى الطبيعى، بالإضافة إلى الإصابة بالتهابات الأذن والجهاز التنفسى والجلد . وهناك أيضا علاقة وثيقة بين تناول المنتجات البحرية الملوثة والإصابة بأمراض خطرة منها الإلتهاب الكبدى الوبائى والكوليرا . وبالإضافة إلى الكائنات الحية تحمل مياه المجارى ومياه الصرف الزراعى كميات كبيرة من النيتروجين والفسفور ( مكونات الأسمدة الكيماوية والمنظفات ) وتساعد هذه المركبات على تغذية الطحالب التى تنتشر بسرعة، مؤدية إلى نفاد الأكسجين فى بعض المناطق وتحويلها إلى ما يعرف بالمناطق الميتة . ويمكن لبعض الطحالب فرز مواد سامة تقضى على أشكال كثيرة للحياة البحرية أو تتركز فى بعض الأسماك والصدفيات، وتسبب تسمما خطيرا للإنسان إذا ما تناولها . ويطلق إسم "المد الأحمر" على بعض حالات تكاثر الطحالب نسبة إلى فقدان مياه البحر لونها الأزرق . ويحدث المد الأحمر سنويا فى كثير من أنحاء العالم. فتشهد اليابان نحو 200 حالة سنوية فى بحر اليابان الداخلى. كما إنتشرت حالات المد الأحمر فى بحر الشمال خلال السبعينيات والثمانينيات. ويترتب على أنشطة الإنسان فى المناطق الساحلية آثار مختلفة خاصة على النظم البيئية الحساسة مثل المستنقعات المالحة والمانجروف ( الغابات الساحلية ) والشعاب المرجانية . ففى شرقى آسيا أدى تحويل مساحات كبيرة من غابات المانجروف إلى حقول للأرز ومزارع سمكية إلى إزالة حواجز طبيعية كانت تصد الفياضانات والعواصف. كذلك أدى الإضرار بالشعب المرجانية إلى التأثير السلبى على نشاط السياحة فى بعض الدول، وإلى النقص فى بعض فصائل الأسماك التى كانت تتخذ من هذه الشعب المرجانية مسكنا وبيئة لها.
كانت الإتفاقيات الدولية والإقليمية فى الماضى تهتم أساسا بتنظيم إستخدام البحار وعمليات صيد الأسماك. ولكن بعد أن تداركت معظم الدول أهمية حماية البيئة البحرية نصت معظم الإتفاقيات التى أبرمت منذ 1970 على حماية وصيانة وإدارة البيئة البحرية والساحلية ومواردها . ومن أبرز هذه الإتفاقيات إتفاقية حماية أراضى المستنقعات المعروفة بإسم إتفاقية رامسار ( 1971 )، وإتفاقية منع التلوث البحرى بإلقاء النفايـــات والمواد الأخرى ( لندن 1972 )، والإتفاقية الدولية لمنع التلوث من السفن(لندن 1973 )، وإتفاقية الأمم المتحدة بشأن قانون البحار ( 1982 ). بالإضافة إلى هذا هناك عدة إتفاقيات إقليمية وبرامج عمل لحماية البيئة فى البحار الإقليمية، مثل إتفاقية برشلونة ( 1976 ) لحماية بيئة البحر الابيض المتوسط، والبروتوكولات التابعة لها وإتفاقية حماية بيئة البحر الأحمر وخليج عدن ( 1982 ) وإتفاقية حماية الخليج العربى ( الكويت 1978 ) وغيرها. المصدر: مرفق البيئة العالمى