من الواجبات التي أوجبها الله تعالى
وفرضها على العبد صلة الرحم والقرابة.
وقد شرع الله صلة الرحم، ولم يُلْغِ
صلةَ القرابة، وإنما منع الجانب السيء فيها الذي يتفاخر به الناس، والذي يتعاونون
فيه على الباطل، فشرع سبحانه أن تكون صلة الرحم والقرابة لتزيد الألفة بين الأقارب
والمودة ولتكون سبباً في التعاون على الخير والتكافل والدلالة على الحق.
ولا تكون صلة الرحم كذلك إلا إذا حافظ
الإنسان على أحسن الأخلاق مع أقاربه، فالأقارب أولى بالأدب وحسن الخلق وحسن الكلمة
من غيرهم.
وكم تجد في الناس من يُحسن العلاقة
والخُلُق مع الناس، ويُسيء العلاقة والخُلُق مع أقاربه، ومن كان كذلك فليس له من
التزكية شيء، فلو كان خلوقاً لبدأ بالأخلاق مع أقاربه وأهله ووالديه وزوجته
وأبنائه، ولو كان مراقباً لله لراقب الله في علاقته مع أقاربه كما يراقب الله في
علاقته مع الناس، ولو كان مخلصاً في خُلُقه لله؛ لأخلص له أيضاً مع قرابته، لكنه
إنما يفعل ذلك مع الناس لمصالحه وليُمْدح، فليس هو بالمخلِص ولا هو بذي الخُلُق.
ومن
هاهنا كان الأدب مع الأهل والقرابة هو الميزان في الخيرية، كما قال النبي r : « خياركم
خياركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ».
وليست صلة الرحم تقتصر على الزيارة،
وإنما يدخل فيها الإنفاق على القريب المحتاج، ويدخل فيها السؤال عن حال القريب عند
عدم القدرة على زيارته ولو بالهاتف، ويدخل فيها حسن الخُلُق معهم جميعاً وحلُّ
مشكلاتهم وقضاءُ حوائجهم عند القدرة.
وتتفاوت صلة الرحم بحسب الإمكان
والظروف، فمن كان في بلد آخر لا يطالب
بالزيارة كالمقيم في البلد نفسه، ومن كان فقيراً لا يطالب بالإنفاق كالغني، وما تطالب به المرأة من صلة القرابة دون ما يطالب به الرجل.
وكلما كان الرحم أقرب في القرابة ـ من
الذكور والإناث ـ كان أولى بالصلة وأكثر، فالأب والأم قد تكون صلتهما المطلوبة
يومياً أو أكثر من مرة في اليوم، بينما الأخت المتزوجة قد يَصِلُها أو يزورها في
كل أسبوع أو في كل شهر مرة بحسب الظروف والفراغ والبعد والقرب، والعمُّ والخالُ
والعمة والخالة دون ذلك، وابن العم وابن الخال دون ذلك، وهكذا.
وينبغي أن لا يُسرِف الإنسان في صلة
الرحم إلى حد يضيِّع على نفسه الواجبات والتقرب إلى الله تعالى، فتصير صلة الرحم
للَّغْو والتسلي، والاحتجاج بها والانشغال بها عن قيام الليل وغيره، وذلك كأن يطيل
الإنسان فترات الجلوس عند الأقارب كثيراً، وتكون تلك المجالس في غير فائدة ولا نفع
ولا ذكر لله تعالى، فعندئذ تنقلب صلة الرحم من عبادة تزكي النفس إلى مجلس يضيِّع
تزكية النفس.
وحتى يتحقق المسلم بالتزكية من خلال صلة
الرحم فلا بد أن يتذكر أنها طاعة لله وعبادة واجبة، فلا يجعل هدفه من صلة الرحم
إضاعة الوقت أو ملأ الفراغ أو التسلية أو نحو ذلك.
وينبغي أن يكون الإنسان حذراً في علاقته
مع الأقارب من أن يسيء الفهم أو يتخذ الكلمة غير المقصودة ذريعة لقطع الرحم، بل من
الواجب التجاوز عن الإساءة والتحمل لها، وتحسين الظن، والإغضاء عن الإيذاء إلى
أبعد حد، والحذر من ظلم الأقارب، فإن ظلم القريب أثقل على النفس من ظلم غيرهم
بكثير.
كما عليهم أن يتجاوزوا المشكلات وإساءة
الفهم والفتن والغيبة والنميمة فيما بينهم بسرعة، ويعودوا إلى حالة الود والتراحم
والصلة والإحسان، وقد أكد النبي r هذا المعنى حينما
قال: « ليس الواصل بالمكافئ، وإنما الواصل من وصل من قطعه »، ولم يقبل ممن يسيء
إليه أقاربه أن يقطعهم، فقال للذي قال له: إني أصل رحمي ويقطعونني، وأحسن إليهم
ويسيئون إلي، فقال r له: « كأنما
تسفُّهُم المَلَّ، ولن يزال معك من الله ظهير»، أي كأنه يضع في أفواههم
الرماد، والمقصود بذلك أنهم يشعرون بأنهم مخطئون، وله تأييد من الله، فمن قاطعه من
أقاربه شعر بالذلة وبدناءة فعله.
ولا
يجوز للزوج أن يكون سبباً في قطع رحم زوجته، فليس له أن ينهاها عن زيارتهم
واستقبالهم، إلا إذا وجد سبب شرعي يدعو إلى ذلك، كأن يجد الزوج أن زوجته كلما ذهبت
إلى أختها حرضتها على زوجها وعلمتها أن تطالبه بما يثقل كاهله وعلمتها سوء الأدب
معه والتكبر عليه.
وواجب الأقارب أن يكونوا سبباً في مزيد
من الألفة والمحبة والتعاون، فواجب الأم والأب والأخت والعم وغيرهم إذا زارتهم
بنتهم المتزوجة أن يحثوها على حسن التعامل والأدب والخُلُق مع الزوج، والصبر عليه
ونحو ذلك، لا أن يكونوا سبباً في إفساد العلاقة بين ابنتهم وزوجها.