الحمد لله وحده لا شريك له رب السموات والأرض ، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه الكرام ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ،،، أما بعد
فاتقوا الله إخوة الإسلام ..
فحديثنا اليوم إن شاء الله عن شعبة من شعب الإيمان ، وخلق من أخلاق الإسلام الفاضلة ، وصفة رفيعة متى ما تمثلها المسلم ترك القبيح والتقصير في حق ذي الحق, بل هو من أكبر الدوافع التي تحول عن المعصية وارتكابها.
إنه الحياء خلق من الأخلاق الفاضلة, وصفة من الصفات الرفيعة وشعبة من شعب الإيمان التي ما تحلى به المسلم كان إلى الله أقرب,
وللحياء فضائل كثيرة:
أولها: أن الله يحب الحياء بل هو صفة من صفاته جل جلاله , في الحديث الصحيح قال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله حيي ستير يحب الحياء ).
ومن فضائل الحياء أنه من الإيمان, فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مر على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء فقال الرسول (صلى الله عليه وسلم): (دعه فإن الحياء من الإيمان) روى البخاري .
و الحياء خلق الإسلام, ففي الحديث الحسن ، قال (صلى الله عليه وسلم): (إن لكل دين خلقاً وخلق الإسلام الحياء).
والحياء – يارعاكم الله - لا يأتي إلا بخير ففي الصحيحين عن عمران بن حصين رضي الله عنه, قال النبي (صلى الله عليه وسلم): (الحياء لا يأتي إلا بخير).
عباد الله : الأنبياء عليهم الصلاة والسلام هم قدوة البشرية, والحياء خاصية بشرية لأصحاب القلوب السليمة ولهذا قرر الأنبياء جميعاً هذا الخلق الكريم من النبوة الأولى إلى النبوة الخاتمة, قال (صلى الله عليه وسلم): (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت) رواه البخاري, قال الإمام ابن القيم رحمه الله في قول النبي (صلى الله عليه وسلم): (فاصنع ما شئت) وفي هذا قولان أحدهما: أنه أمر تهديد ومعناه الخبر أي من لم يستح صنع ما شاء, والثاني: أنه أمر إباحة أي انظر إلى الفعل الذي تريد أن تفعله فإن كان مما لا يستحى منه فافعله والأول أصح وهو قول الأكثرين )
معاشر المسلمين ثم إن الحياء ورد في كلام الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأفعالهم / فهذا نبي الله سليمان عليه السلام كما ذكر الإمام ابن عبد البر – رحمه الله- يقول: الحياء نظام الإيمان فإذا انحل النظام ذهب ما فيه ), وكان نبي الله موسى عليه السلام (حيي ستير لا يرى من جلده شيء استحياء منه ) رواه البخاري, وكان نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) يحث على الحياء وكان كما ورد في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (كان النبي (صلى الله عليه وسلم) أشدَّ حياء من العذراء في خدرها ).
وقد انتهج هذا النهج الفاضل وهذه الصفة الحميدة صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام, فهذا الصديق أبو بكر رضي الله عنه يقول وهو يخطب الناس: يا معشر المسلمين استحيوا من الله فو الذي نفسي بيده إني لأظل حيث أذهب الغائط في الفضاء متقنعاً بثوبي استحياء من ربي عز وجل, وهذا الفاروق عمر رضي الله عنه يقول: من قل حياؤه قل ورعه ومن قل ورعه مات قبله , وهذا عثمان رضي الله عنه يصفه النبي (صلى الله عليه وسلم) بالحياء, بل ويستحي منه حتى ملائكة الرحمن تستحي منه, قال (صلى الله عليه وسلم): (ألا أستحيي من رجل تستحي منه الملائكة) رواه مسلم, وهذا علي رضي الله عنه يوصف بهذه الصفة صفة الحياء كما عند البخاري ومسلم, وقد كانت صور وأقوال الحث على الحياء كثيرة عن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
وكذلك التابعون –رحمهم الله- سطروا لنا أروع الصور والأقوال والأفعال في الحث على الحياء, فعن إياس بن قره رحمه الله قال : " كنت عند عمر بن عبد العزيز فذُكِر عنده الحياء فقالوا الحياء من الدين, فقال عمر: " بل هو الدين كله" , فهذا فقه الحياء منه رحمه الله.
وقال الحسن البصري –رحمه الله-
الحياء والتكرم خصلتان من خصال الخير لم يكونا في عبد إلا رفعه الله بهما).
عباد الله : قسم الحياء بعض أهل العلم إلى ثلاثة أقسام قال الماوردي –رحمه الله-: (واعلم أن الحياء في الإنسان قد يكون من ثلاثة أوجه), أحدهما: حياؤه من الله تعالى ويكون بامتثال أوامره والكف عن زواجره, والثاني: حياؤه من الناس ويكون بكف الأذى وترك المجاهرة بالقبيح, والثالث: حياؤه من نفسه ويكون بالعفة وصيانة الخلوات, وأضاف بعض أهل العلم نوعاً رابعاً وهو الحياء من الملائكة وذلك بالبعد عن المعاصي والقبائح وإكرامهم عن مجالس الخنا وأقوال السوء والأفعال المذمومة المستقبحة.
والحياء محمود في جملته وهو ما تناولناه سابقاً وبينا كيف كان السابقون يتعاملون معه , وهناك حياء مذموم أو يمكن أن نسميه بالأمور التي لا تعد من الحياء فمن ذلك:
1- الحياء من قول الحق والجهر به أو فعل الخير قال الله تعالى: (والله لا يستحيي من الحق), ولهذا قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله-
رب حياء يمنع عن القول الحق أو فعل الخير؛ لأن ذلك ليس شرعيًّا).
2- الحياء في طلب العلم, وعليه قالت عائشة رضي الله عنها: (نعم النساء نساء الأنصار, لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين), وفي هذا الباب قال الإمام مجاهد وغيره
لا يتعلم العلم مستحٍ ولا مستكبر).
أيها المصلون :وللحياء له فوائد عظيمة منها نذكر منها :
1- أنه من خصال الإيمان وشعبه.
2- أن صاحبه يقبل على الطاعة بوازع الحب لله عز وجل.
3- أن صاحبه يهجر المعصية بوازع الخوف والحياء من الله عز وجل.
4- أن صاحبه في ستر في دنياه وآخرته.
5- أنه صفة من صفات الأنبياء عليهم السلام.
6- أن صاحبه يكسوه الوقار فلا يفعل ما يخل بالمروءة ولا يؤذي من يستحق الإكرام, وإلى غير ذلك من الفوائد العظيمة لهذه الشعيرة الكبيرة.
اللهم وفقنا للأخلاق الحسنة ..أقول ماسمعتم ... .
الحمد لله الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم. أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وأصحابه الهداة المتقين، ومن سار على هديهم، وسلك سبيلهم إلى يوم الدين.
أما بعد فاتقوا الله إخوة الإسلام
أيها المسلمون تحدثنا في الخطبة الأولى عن خلق الحياء وأخبرنا أنه شعبة من شعب الإيمان و أمتنا الإسلامية ولله الحمد فيها خير كثير, لكن قد يصيب بعض أفرادها الخلل والخطأ, والناس كلما بعدوا عن زمن النبوة تغيروا وتأثروا بغيرهم.
ومع عظم مكانة الحياء وما ورد في فضائله والحث عليه إلا أنه قد تكون هناك مظاهر لضعفه وقلته ومن ذلك على سبيل المثال:
1- المجاهرة بالمعاصي عموماً.
2- عقوق الوالدين وإيذائهما.
3- قلة الأدب مع المربين والمعلمين.
4- عدم توقير العلم والعلماء
5- تبرج النساء ومزاحمتهن الرجال في الأماكن العامة.
6- رفع الصوت بالغناء والمزامير.
7- تقليد الكفار في مستهين العادات.
8- إيذاء الجيران والناس عموماً.
أيها الأكارم : الحياء كخلق خاصية جبلية يفطر عليها الإنسان ولكنها تنمو بالأخذ بالأسباب وتدريب النفس ، ومن أهم الوسائل التي تعين على تعين على نمو خلق الحياء لدى المسلم وتثبيته ما يأتي :
1- استحضار مراقبة الله تعالى والاستعانة به.
2- استحضار مراقبة الملائكة الشهود.
3- التخلق بأخلاق القرآن وفي جملتها الحياء.
4- التخلق بأخلاق قدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم والذي في مقدمة أخلاقه الحياء.
5- مجاهدة النفس وترويضها على اكتساب هذه الصفة الحميدة وتنميتها.
6- تعاهد الإيمان فإن الحياء من شعبه.
7-مصاحبة أهل الحياء والاقتداء بهم
8- الدعاء.
اللهم اجعلنا من المتصفين بهذا الخلق العظيم ...