يوصيكم الله في أولادكم.

الحمد لله رب العالمين، اللهم ربنا لك الحمدُ كلُّه، ولك الشُّكر كلُّه، وإليك يرجع الأمر كله علانيته وسره، فأهل أنت أن تحمد وأهل أنت أن تعبد، لك الحمد كما خلقتنا ورزقتنا وعلمتنا وهديتنا وأطعمتنا ومن كل ما سألناك ربنا أعطيتنا، لك الحمد بكل نعمة أنعمتها علينا في قديم أو حديث أو سرا أو علانية أو خاصة أو عامة أو شاهد أو غائب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له نعمه لا تحصى ومننه على الناس تترى (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار) وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد...فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته و لا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون)

عليك بتقوى الله فالزمها تفــــز إن التقي هو البهي الأهيب
واعمل بطاعته تنل منه الرضا إن المطيع لربه لمقــــرب
أرخى الليل سدوله، نامت العيون، هدأت الجفون، غطَّ الأبوان في نوم عميق آوى الابن إلى فراشه مدّ يده فوقعت على جهاز التحكم (الريموت) بدأ المحرك يقلب من قناة في قناة يا ترى ماذا يرى؟ قناة لدولة إسلامية تعرض المسلسلات اليومية والمشاهد الشيطانية، لقاء غرامي بين عشيق وعشيقة، كلامٌ حرام، مناظرُ حرام، خبث وخبائث تذوب القلوب من هولها، قناة لدولة كافرة تبث أفلام الجنس الصاخب؛ يسبقه عبارات سخيفةٌ تافهةٌ؛ أعدت للفتيان والفتيات البالغين والمراهقين، قناة أخرى تعرض أغنية عاطفية وموسيقى ماجنة لمجموعة منتقاة من الفتيات الفاتنات وثلة من أشباه الرجال ولا رجال، يتراقصون في منظر شهواني سخيف وينهقون بمزمار الشيطان، قناة أخرى تبث العهر والدياثة في برنامج يتولاه مجموعةٌ من أشباه الرجال والنساء المتزوجين فيلقى بينهما السؤال التالي يا ترى ماذا يجري في غرفة نومكم وبين أسرتكم وسط ضحكات الجماهير في نشوة وطرب، قناة أخرى ملئت كذبا وزورا وظلما وفجورا وشركا وإلحادا تعرض الدجل والشعوذة والخزعبلات والأوهام والتنجيم والحظوظ، وقناة أخرى تعرض العنف والجريمة والبغي والظلم وتجارة الخمر والمخدرات .
ولن يغفل عاقل عن قنوات التشييع والروافض وسب الصحابة وقذف أمهات المؤمنين وتغييب عقيدة المسلمين.
يا ترى ماذا أقول وماذا أدع من صور الشبه والشهوات والفتن والمغريات التي تغرس في نفوس أبنائنا صباح مساء؟
هل أواصل الحديث عن قنوات الفسق والمجون والصور العاريات التي تعرض على شواطئ البحار وضفاف الأنهار؟ أم أواصل الحديث عن قنوات الشبه العقائدية التكفيرية والشيعية والنصرانية؟
عبد الله يا ترى ما هي النتيجة التي سيجنيها الشاب والفتاة الذي استلقى على قفاه في ظلمة الليل وسط غفلة من أبوين يغطان في نوم عميق؟ أجيبوا عباد الله بأي حجة سنلقى الله تعالى إذا وقفنا بين يديه بأبناء وأحفاد قد دمرناهم بأيدينا وربيناهم كما نربي قطيع الأغنام لا تعيشُ إلا لتأكلَ وتشربَ وتنكحَ وتنامَ حتى غدا بعضهم وقد وهنتهم حمّى الغرب وضربتهم شمس التقدم الزائف فقُذف في قلوبهم الوهْن والتهاون بحدود الله وحرماته.
نعم عباد الله ليقلب الحصيف منا بصره إلى ابنه وابنته.

سائلوهم عن دينهم وصلاتهم، سائلوهم عن كتاب ربهم وحديث نبيهم r، سائلوهم عن تاريخ الإسلام والعشرة المبشرين وأصحاب محمد r من الأنصار والمهاجرين، سائلوهم عن العلماء العاملين والأئمة المهديين، سائلوهم عن أمهات المؤمنين وسيدات نساء العالمين.
وعلى النقيض، سائلوهم عن المغنين والمغنيات والفاسقين والفاسقات واللاعبين والممثلات، هنا... هنا تجدون جوابا غزيرا ومعرفة تحليلية لا تخطئ أبدا، نعم إنها الحقيقة الصارخة أضاع الآباء الأمانة فتولت الفضائيات التربية والنشء فكان الضياع والخيانة.
عباد الله لنكن صرحاء فكفانا تساهلا وغفلة عن تربية أبنائنا, وسلوا المدارس عن الأبناء، سلوا المساجد عن الأبناء، سلوا الأسواق عن الأبناء، سلوا الاستراحات عن الأبناء، سلوا حلقات التحفيظ ودروس العلماء عن الأبناء، فعند جهينةَ الخبرُ اليقين.
أيها الوالد الحبيب إن نبيك r يقول كما روى أبو هريرة t ( كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه) رواه مسلم.
فها أنت رعاك الله ترى نبيك r جعل الوالدينِ نقطةَ التحولِ في حياة الأبناء.
أيها الوالد...لنكن صرحاء فقد كرسنا جهودنا وتربيتنا لأولادنا على الجانب المادي والبدني أمَّا الجانب الروحي والأخلاقي فحدث ولا حرج نحن نغضب إذا أخفق الطالب في دراسته لكن كيف غضبنا إذا نام عن الصلاة المكتوبة؟ كيف غضبنا في تقليدهم للأراذل والسفهاء؟
أيها الوالد الحبيب تذكر أن الله عز وجل يسأل الوالد عن ولده قبل أن يسأل الولد عن والده قال r ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) فالأبناء هم ثمار قلوبنا وعماد ظهورنا وقرة عيوننا وسلوة أرواحنا
أيها الوالد والله...
ليس اليتيم من انتهى أبواه من هم الحياة وخلّفاه ذليلا
إن اليتيم هو الذي تلقى له أما تخلت أو أبا مشغولا
أيها الوالد إن العين لا ترى إلا ما يسحرها، والأذن لا تسمع إلا ما يطربها، والجوارح لا تعشق إلا ما يُغريها، والقلب لا يشعر إلا بما يفتنه، والعقل لا يدرك إلا ما يضله.
ومن رعى غنما في أرض مسبغة ونام عنها تولى رعيها الأسد

أيها الوالد والله إن قنوات التلقي لا ترحم إي والله لا ترحم فقد أفسدت الأخلاق ودمرت الحياء بل ومزقت الشهامة والرجولة انظر إلى السلاسل والقبعات والأغاني الصاخبات والألبسة العاريات والموضات الغربيات.
ومن يكن الغراب له دليلا يمر به على جيف الكلاب
أيها الوالد إن العالمَ قد اتصل شرقه بغربه، وتقارب أعلاه من أدناه، وماجت في سمائه فضائيات مهلكة، وقنوات مدمرة، وحروب طاحنة، فها هي حرب المخدرات التي قتلت الشباب والفتيات, وحرب التقنيات وحرب الأخلاق والقيم, ناهيك عن شياطين الإنس والجن والبطالة والفراغ, والقصف الجنسي العفن وفتن كقطع الليل المظلم. يا رب رحماك!
يا رب أدركنا فقد بلغ الزبى من الكرب سيل الفاجعات المغرق
أيها الوالد إن الذي يغفل عن تربية ولده اليوم ليس يقتل نفسا واحدة بل يقتل أنفسا كثيرة.
أيها الوالد إن الجيل الذي لا يعرف إلا الترف والبذخ والمغريات، ويرى متاعه في سيارة فارهة، وعشيقة يتغزل بها، وقصة ورقصة يتشبه بها، إن الجيل الذي أضاع الصلاة واتبع الشهوات، وغرق في الماسنجر والمحادثات، جيل هش ناعم لا يصلح لشدائد الحياة وتحمل الأعباء فلا رجولة ولا خشونة.
أيها الوالد إن الابن الذي يبكي ويضحك ويحب ويبغض لفوز فريق وخسارة آخر، سينشأ حتما مغرما باللهو والشهوات، مفتونا بتقليد الفاسقين والفاسقات، يربيه ويصنعه غيرك، فيتشكل عقله وفكره ولباسه وأنت تنظر إليه بلا حول ولا قوة.
أيها الوالد أعلم والله أن التربية اليوم ليست كالتربية بالأمس لكنها الأمانة والمسئولية قال r: (ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرّم الله عليه الجنة).
أيها الوالد إن التربية اليوم بحاجة إلى شدة في غير عنف، ولين في غير ضعف، وحزم في غير جور، أما أن يعتقد الأب وتحلف الأم أن التربية في التقييد بالسلاسل والضرب بالحديد والحبس في غرفة مظلمة مدلهمة، فيُخْرج لنا جيلاً تسيل دماؤه وتتنفخ أوداجه يخاف من خياله ويهرب من ظله، فليس ذلك بمطلوب ولا مرغوب فأبناؤنا بحاجة إلى رحمة ودعاء، وتشجيع وبناء، بحاجة إلى وصية لقمان لابنه (يا بني إنَّها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إنَّ الله لطيفٌ خبيرٌ)، بحاجة إلى وصية نبينا r لابن عمه احفظ الله يحفظك، بحاجة إلى الخلق والأخلاق والأدب والآداب والحياء والاستحياء بحاجة إلى شمولية وتدرج وحرص ومتابعة بحاجة إلى قدوة وما أدراك ما القدوة الحسنة؟
قال ابن القيم يرحمه الله: (من أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى فقد أساء إليه غاية الإساءة وأكثر الأبناء جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم وترك تعليمهم لفرائض الدين وسننه) وإني لأعجب لبعض أباء زماننا كيف يطيب له أن ينام قرير العين يكتحل بالنوم ملء جفنيه وفلذات أكباده في خارج منزله، فلا يدري أين ذهبوا ومتى ذهبوا ومع من ذهبوا؟
فهل تعجب عندها من شباب وفتيات امتلأت بهم الأسواق والطرقات في المطاعم والمنتزهات تعرفهم بسيماهم قبلتهم الملاعب والملاهي تجارتهم السخف والمثالب شرُّهم أكثر من خيرهم؟
لا أدري والله ماذا سيجيب آباء هؤلاء يوم السؤال والحساب؟
(يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون)
(يوم ينظر المرء ما قدَّمت يداه)
(يوم تأتي كل نفس تجادلُ عن نفسها)
(الثانية)
رسالة عاجلة إلى كل أب .......
تقول إحدى المعلماتِ طلبت تعبيراً من الطالباتِ بعنوان: (رسالة عاجلة إلى كل أب) فكتبت فتاة في السادسة عشرة من عمرها فقدت والدها الذي توفاه الله عز وجل فقالت في تعبيرها: أبي.. أبي.. أبي أين أنت؟ نعم أين أنت؟ أبي أنا على يقين أن الموت حق ولكني أسأل نفسي وأسأل كل من حولي أين أنت وأين أمثالك من الآباء؟
أبي والله لقد كنت عظيما في نفسي حبيبا إلى قلبي أتدري لماذا؟ لأنك قُدْوةٌ صالحةٌ نعم لا أتذكر أنك أمرتني بالصلاة ولكن صوتَكَ في الصلاة آناء الليلِ وأطراف النهارِ كان يأمرني بالصلاة، أبي لم تأمرني يوما بقراءة القرآن ولكن صوتَكَ الذي كنت أقوم عليه وهو يترنم بالقرآن في ظلمات الليل كان يأمرني بتلاوة القرآن.
أبي لم تأمرني يوما بصيام التطوع ولكنني كنت أعرف تمام البدر في الشهر بصيامك الأيام البيض.
أبي لم تجلس أمامي يوماً لأحفظ على يديك أذكار الصباح والمساء ولكن سماعي لك وأنت تحافظ عليها حضرا وسفرا ألزمني حفظها وذكرها.
أبي رحمك الله فإني أتذكرك دائما فإن ذكراك دافعا في نفسي دوما وأبدا لقد ربيتني بفعلك قبل قولك رحمك الله يا أبي وأسكنك الفردوس الأعلى من الجنة.
أيها الآباء إن أبناءنا بحاجة إلى قدواتٍ صالحةٍ ونماذجَ حيةٍ كم من الآباء من يدفعون بأبنائهم لأفضل المدارس التربوية والدورات التعليمية في الداخل والخارج ولكن غابت القدوة الشخصية عن حياتهم.
ذكر أحد الأدباء: أنَّ محكمةً شرعيةً في بلادٍ مجاورةٍ، حكمتْ على سارق بعقوبة القطع، فلمَّا جاء وقت التنفيذ، صرخ بأعلى صوته قائلاً: قبل أن تقطعوا يدي، اقطعوا لسان أمِّي، فقد سرقت أوَّل مرَّةٍ في حياتي بيضةً من الجيران، فلم تؤنِّبني، ولم تطلب منِّي إرجاعها، بل زغردت بأعلى صوتها: الحمد لله! لقد أصبح ولدي رجلاً! ولولا لسان أمي الذي زغرد لخطئي لمَا كنت في المجتمع سارقاً.
أيها الآباء إن أبناءنا اليوم قد حفظوا عبارات التوجيه التي تملى عليهم صباح مساء فهم يسمعونها في البيت والمدرسة والشارع، لكن! أين القدوة؟


مشى الطاووس يوما باختيال فقلده بمشيته بنوه
فقال: علام تختالون، قالوا : لقد بدأت ونحن مقلدوه
وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه
وما دان الفتى بحجا ولكن يعلمه التدين أقربوه
أيها الوالد قلِّب التاريخ ترى أنَّ وراء العظماء والأبناء الصالحين تربيةً إيمانيةً، وتوجيهاً سديداً، أساسهما أبٌ همامٌ وأمٌّ قديرة.
أما سمعت رعاك الله أنَّ أمير المؤمنين في الحديث (سفيان الثَّوري)
كانت أمُّه الصالحة تقول له: (يا بني اطلب العلم، وأنا أكفيك بمغزلي وكانت تقول له: يا بني إن كتبت عشرة أحاديث، فانظر هل ترى في نفسك زيادة في خشبتك لله وحلمك ووقارك؟ فإن لم ترى ذلك فاعلم أنَّها تضرك ولا تنفعك.
أيها الوالد ختاماً كم والله أنت بحاجة إلى ذلك الولد الصالح حين يحال بينك وبين العمل وتتمنى ساعة من ليل أو نهار تركع وتسجد لله فيها وإذا بفلذة كبدك الصالح وأنت في قبرك وحيداً قد سكب عليك العبرات ورفع الدعوات في الظلمات يدعو لأب قد أحسن تربيته ثم مات. (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا).