أخواتي الغاليات في الله ,,,
بســم الله الـرحمــن الرحيــم
السلام عليكــم ورحمـة الله وبركاتــة ،،
الناس في هذه الحياة يختلفون و يتباينون , و لكل منهم طبائع و آراء , و كل واحد منا لديه من الجوانب و المميزات و الخصائص ما يجعله كياناً متفرداً مستقلاً عن غيره من الناس قلباً و قالباً .
ونحن في حياتنا نتعامل مع الكثيرين , قد يكون هؤلاء ممن نثق فيهم و نأتمنهم ,
و قد يكونون ممن نتعلق بهم ولا نستطيع العيش بدونهم ,
وربما هم من الذين نحذر منهم و نتجنبهم ,
وأحياناً هم من الذين يعيشون حياتهم من أجلنا و يحرصون علينا أكثر من أنفسهم و يتمنون لنا الخير ,
وفي بعض الأحيان هم من الذن يسخّرون كل إمكانياتهم لإيذائنا و الإيقاع بنا ,
و قد يكونون ممن لا نجد منهم في حياتنا أهمية كبرى ,
و تارة هم أشخاص لا تجمعنا بهم سوى المناسبات ,
وقد يكونون أناساً لا وجود لهم إلا في خيالنا و ذكرياتنا ,
فالإنسان محاط بالعديد من الذين يؤثرون في حياته سواء بالإيجاب أو بالسلب .
وهو بدوره يؤثر فيهم , ويتعامل معهم , و ينتفع بمن يحاولون مساعدته , ويتعرض للأذى ممن يحاولون أذيته .
والسؤال هنا : كيف يستطيع الإنسان التعامل مع الفئات التي يتعامل معها في حياته ؟
أو بالأحرى : كيف يتمكن الإنسان من التعرف على نوعيات الأشخاص الذين يتعاملون معه لكي يستطيع أن يقابل كل نوعية بالأسلوب المناسب لها ؟
المرء إن لم يكن على تيقظ كامل حول كيفية التواصل والتعامل مع الآخرين بالطريقة الأمثل فإنه بلا شك سوف يتعرض لعواقب ذلك إما :
* بالإفراط في التعامل الحسن اللين تجاه المخطئين و العابثين و الغادرين , فينقلب ذلك وبالاً عليه .
* أو من ناحية أخرى بالتشدد في معاملة المقربين و المحبين له , فيعود ذلك عليه بالندم والتأسف .
لنكن متعقلين , ولنضع الأمور مواضعها , فكيف مثلاً نرى شخصاُ ما على خطأ و ذنب و من ثم نتركه بلا عقاب , بل و الأخطر أن نتعامل مع بأسلوب يجعله يشعر بعدم خطورة ما ارتكبه فيدفعه ذلك إلى التمادي و الاستمرار في ذنبه ؟!
و بالمقابل كيف نتعامل بالغلظة و الشدة مع أشخاص طالما قدموا لنا الخير و المساعدة و التأييد ؟!
إن كثيراً من الناس عندما يخلط بين ما يبنغي أن يتخذه من طريق في التعامل مع ما يواجهه أو مع من يواجهه , فإنه يخسر في كلتا الحالتين .
لو كان هنالك إنسان واقع في أزمة ما أو مشكلة من المشاكل , و بدلاً من أن يعمل لحلها فإنه يقف متحسراً غاضباً حانقاً عليها فلا يظهر منه أي مبادرة لحل هذه المشكلة , بل إنه يجلس مشتكياً من حاله , ويرثي وضعه لنفسه و للآخرين حتى يمر الوقت فيجد أن المشكلة قد تفاقمت و أن الطين قد زاد بلة , ولا يجد عندها مفراً من أزمته التي أصبحت فوق طاقته .
مثلاً : الطالب الذي يكون عنده امتحان في مادة ما , ويرى أن هذه المادة صعبة , ولا وقت لاستذكارها , وأنه لن ينجح فيها , فإنه يقوم بالنظر إليها و البكاء طويلاً و لا يصدر منه غير الشكوى و التبرم و التلفظ بعبارات الحنق و اللوم , فهذا الطالب سوف تتفاقم مشلكته , وسوف يصل للوقت الذي يقام فيه الامتحان وهو على حالته غير دارس و غير مستذكر فلا يتمكن من الإجابة , فتكون النتيجة رسوبه , وبالتالي يضاعف أزمته , وو تكبر همومه , بل و ربما أثّر ذلك على بقيية المواد التي يدرسها , فجعل مشكلته غير متعلقة بصعوبة المادة فقط , بل بسلبية تعامله وسع في دائرة مشكلته لتشمل رسوبه والتي اتسعت بدورها لتشمل باقي المواد .......
ولو أن هذا الطالب عالج هذا الأمر من البداية , فبذل جهده في فهم المادة بدلاً من التضجر منها , لكان خيراً له , و لكان قد تمكن من اجتياز الامتحان .
إن من يعرف كيف يحكم عقله في هذه الأمور ينجح , و الإنسان الذي لا يعرف كيف يتواجه مع مشاكله فإنه إنسان غير ناضج , ودائماَ سوف يكون في ضيق و أزمة , ولن يستطيع عندها النجاة من قيود الهم واليأس و الضعف التي وضعها حول نفسه .
و هنا أحب أن أوجه نصيحة للآباء و الامهات بشأن هذا الصدد فيما يتعلق بمعاملة أبنائهم و بناتهم .
فيا أيتها الأم الفاضلة , اعلمي أنه لابد لك وأن تواجهي مواقفاَ كثيرة مع أبنائك و بناتك تتطلب منك الحكمة في التعامل معها ,,,
فعندما يقع أحد أبنائك في خطأ ما , يجب عليك أولاً أن تسمعيه , و تعرفي منه سبب ذلك , وتنصحيه و توجهيه , ولا تقومي أولاً بفرض العقوبة بلا محاورة أو تفاهم .
وأيضاً عليكِ ألا توقعي العقوبة من المرة الأولى لوقوع الخطأ , بل المطلوب في البداية هو التوجيه و الإرشاد و التنبيه على خطأ فعلته , و من ثم إن تكرر هذا الأمر فهنا تفرض العقوبة , و يجب التنويه أن العقوبات تتفاوت بحسب حجم الخطأ المرتكب , فلا تقومي بفرض عقوبة قاسية لذنب بسيط يمكن تفاديه بمجرد التوبيخ , ولا تهوني من خطأ كبير لا يمكن التعامل معه إلا بالعقوبات الحاسمة .
كما أن الإنسان الذي لايحسن التصرف مع الأشخاص الذين في حياته يقع في المشاكل ,,,
فلا شك أن الإنسان الذي يقابل الأشخاص الأشرار بالحسنى و التجاوز المفرط عن أخطائهم , فإنه يقع في سوء عدم حكمته , فيجعل هذا منه ألعوبة في يد هؤلاء الأشخاص , ويصيبونه بألذى , وعندها فلا يلومن إلا نفسه .
و بالمقابل إن أخطأت في التعامل بالشدة مع الأشخاص الذين يبحثون عن مصلحتك و اتهمتهم ظلماً و عدواناً , وتماديت في مقابلة إحسانهم بالسوء في المعاملة , فإنك تخسرهم وتصبح إنسانا منبوذاُ .
قال النبي صلى الله عليه وسلم"الجاهل يظلم من خالطه ويعتدي على من هو دونه ويتطاول على من هو فوقه ويتكلم بغير تميز وان رأى كريمة أعرض عنها وإن عرضت فتنه أردته وتهور فيها".
فيا أخيتي الحبيبة : اعلمي أنك في هذه الحياة كأنك في مركب أن قائدته و ربانه , وأنه لا نجاة لك إلا عن طريق حكمتك في إدارة دفة حياتك إلى بر الأمان .
فلا تقذفي بمركبك في المياه المائجة التي لا تستطيعين السيطرة عليها , ولا تبقي مكانك بلا حركة فتبقين هناك وحيدة حتى يدرك الملل و الضرر ,
و لا تخطئي في القيادة عندما تعترضك عاصفة هوجاء , ابذلي جهدك للتغلب عليها , ولا تيأسي فتلتهمك الامواج العاتية مدعية بأن ذلك يرجع إلى قوة العاصفة و عدم قدرتك مهما حاولت في الدفاع عن نفسم أمامها .
اعرفي من هم حولك , لا تثقي كل الثقة في أحد , كوني على حذر في تعاملك مع الغير , ولكن انتبهي أن يصل ذلك الحذر إلى شك مريض وقاتل يقودك إلى أن تخسري أصدقائك و أحبائك .
ولا تعطي كل الأمان لأي أحد , فإنك إن فعلت دون معرفة يقينية بالشخصية التي أمامك وأبعادها , فإنك سوف تقعين في سوء سذاجتك بعد ذلك , وعندها لا تلقي اللوم على أحد غير نفسك .
عندما تقعين في الأزمات الجئي إلى الطرق التي تجعلك تخرجين منها بأكبر الأرباح و أقل الخسائر , وكلما استطعت تحقيق ذلك فإنك إذاً فتاة ذكية حكيمة ,
إذا أردت تحقيق غاية ما فلا يكون ذلك معناه أن تدعسي على أحلام غيرك كي تصلي إليها , وتدَعين بأن ذلك ذكاء و اجتهاد لبلوغ الهدف , فإنك بذلك تكونين قد خسرت الكثير دون أن تشعري مهما بلغت من المجد و تحقيق المنى .
لا تكثري العتاب و اللوم , فهناك الكثير من المواقف التي من الأفضل أن تفسحي لها من صدرك لكي تُحل , ولكن الإنسان بعناده يرفض هذا مدعياً بأنه نقص من الكرامة أو تقليل من قدره .
من المهم جداَ أن تدركي كيف تجعلين لنفسك حدوداً مع الآخرين , وأن تتخذي في بعض الأحيان مواقف حاسمة مع بعض الناس , و إنك إن لم تفعلي ذلك سوف يظن من حولك بعدم أهمية بعض التصرفات أن يفعلوها تجاهك والتي هي في الحقيقة غاية في الأهمية و لا يحق لهم أن يقوموا بها تجاهك .
مشاكلك اليومية , أو مشاكلك الكبرى , و التي تكون شاقة اعلمي أولاً و آخراً بأنه ليس هنالك أحد يشعر بها قدرك , وأنه من الصعب أن يكون هنالك أحد يخرجك منها غيرك , فأنتِ إن لم تتواجهي معها بشجاعة وعقل فإن لن ينفعك بعد ذلك سأمك منها و تضجرك منها , بل ستتفاقم عليكِ إلى أن تصير أكبر منكِ بكثير .
احرصي على إعطاء كل شخص في حياتك المساحة المناسبة له بلا زيادة أو نقصان , ولا توسعي من هذه المساحة فيعود ذلك عليكِ بالحسرة سواء إن أفرطت في الإعطاء أو ضيقت و حجَرت في ذلك .
الإنسان الحكيم العاقل هو الذي يضع في حياته أصولاً و أسساً تساعده على دراسة طبائع من حوله ليتمكن من مجانبة الشرير و مخالطة الخيَر , و تساعده على أخذ اللينفي موضع اللين , و الأخذ بالشدة في موضع الشدة .
فيا أخيتي الحبيبة : ارسمي لنفسك منهجاً في التعامل مع ما حولك و مع من حولك بلا مبالغة أو تفريط , واعلمي أن الناس حولك أشكال و ألوان في الطبائع و التصرفات , فحاولي بقدر المستطاع أن تفهمي كل لون منهم , لكي تتعاملي معه بما يستحق , لا تكوني على اغترار برأيك فيمنعك ذلك من المشورة , فليس معني أن تكوني حازمة ألا تكوني مستشيرة غيرك , و أزماتك لا نجاة لك منها إلا في فهمك لها و التعامل معها بأناة و عقل .
فكثير من الأشخاص الذين لا ستحقون شفقتك و عطفك لأنكِ إن أعطيتها لهم أساؤوا استخدامها , وسخّروا ذلك حتى يلحقوا بك الضرر .
و هنالك أشخاص لا يستحقون منك سوى المعاملة الحسنة , فامنحيها لهم , ولا تكابري أو تعاندي في ذلك فيؤدي ذلك بكِ إلى أن تخسريهم .
هذه بعض الكلمات التي أحببت أن واجهها لكِ حبيبتي في الله , أتمنى أن تستفيدوا منها , وأسأل الله أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم .
و في الختام هذه طائفة من الشعر والأمثال :
قال الشافعي :
وعاشر بمعروفٍ و سامح من اعتدى...و دافع و لكن بالتـي هي أحســـنُ
إذا المرء لا يرعاك إلا تكلفا0000 فدعه ولا تكثر عليه التأسفا
ففي الناس أبدالٌ وفي الترك راحةٌ0000 وفي القلب صبرٌ للحبيب ولو جفا
فما كل من تهواه يهواك قلبه0000 ولا كل من صافيته لك قد صفا
إذا لم يكن صفو الودادِ طبيعةٌ0000 فلا خيـر فـي ودٍ يجـيء تكلفا
ولا خير في خلّ يخون خليله0000 ويلقاه من بعد المـودة بالجـفا
وينكر عيشاً قد تقادم عهده0000 ويظهر سراً كان بالأمس قد خفا
سلامٌ على الدنيا إذا لم يكن بها0000 صديقٌ صدوقٌ صادقُ الوعد منصفا
الشافعي
لا يَحسُنُ الحلم إلا في مواطنِهِ0000 ولا يليق الوفاء إلا لمن شكرا
صفي الدين الحلّي
ومن لم يصانع في أمورٍ كثيرةٍ0000 يُضَرّس بأنيابٍ ويوطأ بمنسم
ومن يجعل المعروف من دون عرضهِ0000 يفره , ومن لا يتقي الشتم يُشتمِ
زهير بن أبي سلمى
ما حك جلدك مثل ظفرك ... فتـول أنت جميع أمرك
الشافعي
والسلام عليكم ورحمة الله و بركاته