صدرت قبل فترة لائحة الانتخابات من وزارة الشؤؤن البلدية والقروية , ولم تشر صراحة إلى مشاركة المرأة من عدمها في الانتخابات ’ ولذلك بدأ بعض الناس يتساءلون عن هذا الأمر : أعني جواز مشاركة المرأة في الانتخابات من عدمه , وقد اختلف العلماء والباحثون المعاصرون حول هذا الأمر. والحقيقة أنه يتضح لمن تأمل في نصوص الشرع وقواعده العامة أن النساء لامدخل لهن في الانتخابات لأدلة كثيرة منها :
أولا : لم يرد في القرآن الكريم ولا في السنة إباحة تولي المرأة لأية ولاية عامة ، والانتخابات والترشيح لها من الولايات العامة ، كما لم ترد إباحة الانتخابات لهن ، لا في كتاب الله ولا في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ولا في سنة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم’ بل نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن تولي المرأة أية ولاية عامة في قوله ( ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ) حديث صحيح .
ثانيا : وإذا قيل إن عدم وجود دليل صريح في المنع معناه الإباحة فالجواب أنه لم يثبت أن المرأة شاركت في العصر النبوي وعصر الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم في اختيار الخليفة أو من دونه , ولاشك أن أفضل تطبيق للإسلام كان في هذين العصرين ’ فلو كان للمرأة حق الانتخاب لما منعت منه فيهما , ولو كان الانتخاب من حقوق النساء لما سكتت زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وزوجات الصحابة الكرام عن المطالبة به .
ثالثا : أن العلماء حددوا الشروط المعتبرة فيمن يختار الإمام أو من دونه وهي العدالة والعلم الذي يتوصل به إلى معرفة من يستحق الإمامة أو ما دونها ’ والرأي والحكمة المؤديان إلى اختيار من هو أهل للمنصب المراد الترشيح له , والشرطان الأخيران لايتوافران في المرأة لأن طبيعة رسالتها التي تقتضي بقاءها في البيت وبعدها عما لايعنيها من الأمور تحول بينها وبين معرفة من يستحق الترشيح , وليست لديها خبرة بهذه الأمور . كما أنها عاطفية تتأثر بالدعاية إلى حد كبير , ولاتستطيع معرفة حقيقة الأمر مع وجود مرشحين كثر كل منهم يدعي لنفسه المصداقية والحرص على المصالح العامة .
رابعا : أن عملية الانتخاب والترشيح تستلزم سلسلة من الاجتماعات والاختلاطات ونحو ذلك من أنواع الشر والأذى التي ينبغي للمرأة أن تبعد نفسها عنها , ومن المعلوم أن الطريقة السائدة للانتخابات تعتمد على اجتماع الناخبين بالمرشح ليقوم بالدعاية لنفسه وذكر برامجه ورؤاه الإصلاحية , وهذا معناه اختلاط النساء بالرجال بدون ضرورة تدعو لذلك وفتح باب من أبواب الفساد وهو ما تأباه نصوص الشريعة وقواعدها .
وهنا أمر ينبغي التنبيه عليه وهو أن حق المرأة في التعبير وإبداء الرأي فيما يمكن أن تبدي رأيها فيه أمر ثابت لايستطيع أحد أن يسلبها إياه , ولكن لابد أن يكون هذا التعبير عن علم وبصيرة ’ وهناك طرق أخرى لإبداء الرأي والنصح والمشورة , فإذا فرض وجود امرأة أو أكثر يعرفن صلاحية شخص وكفايته ولهن رأي في ذلك فيمكن أن يدلين رأيهن بأي طريقة شرعية لاتؤدي بهن إلى مخالطة الرجال ومزاحمتهن كالفاكس والبريد الالكتروني فيكون كالترشيح منهن ثم ينتخبه الرجال . وليس في هذا عداوة للمرأة من قبل الرجل ولاينقص شيئا من إنسانيتها وإكرامها ولانزاع بين الرجل والمرأة في هذا الشأن أو غيره لأنها أمه أولا وأخته ثانيا وزوجته ثالثا وبنته رابعا ولها في كل هذه الأحوال ما تستحقه من الاحترام والتقدير , ولكن العدل وضع الشئ في موضعه وتقدير أهمية الأمر والعمل بما هو أصلح . وأخيرا فربما يعترض إنسان على ما قلناه بخروج عائشة رضي الله عنه في معركة الجمل ويرى أنه يدل على جواز المشاركة في مثل هذه الأعمال والجواب أن أم المؤمنين رضي الله عنها لم تخرج لتطالب بالخلافة أو البيعة لها أو لغيرها وإنما خرجت داعية للإصلاح بين الناس وللمطالبة بدم عثمان رضي الله عنه , وقد كان خروجها اجتهادا منها أنكره عيها بعض الصحابة رضي الله عنهم فاعترفت بخطئها وندمت على خروجها ( انظر : ولاية المرأة في الفقه الإسلامي / حافظ محمد نور/ ص 146 )
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه