برُّ الآباءِ للأبناء وتربيتهم وتزكيتهم
وفي
مقابل بر الوالدين أوجب الله على الوالدين إحسان تربية أبنائهم، قال تعالى: ﴿ يا
أيها الذين آمنوا قُوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة ﴾ وإنما تكون
وقاية الأبناء بتربيتهم وتزكيتهم.
وقد حث النبي r على تربية
الأبناء والبنات ، بل حث على حسن التربية ، وليس التربية فحسب، «من كن له
ثلاث بنات فأحسن تربيتهن كن له ستراً من النار » ، وكذا ورد في البنتين والواحدة
أيضاً.
إن كثيراً من الآباء
يتألم حينما يرى ولده قد كبر قليلاً ، وبلغ قريباً من سن الشباب ، فبدأ ينحرف عن
طريق الاستقامة ، ينحرف عن طريق المسجد ، ينحرف عن طريق العلم النافع ، ينحرف إلى
الشهوات ، ينحرف إلى اتباع هواه ، ينحرف إلى صحبة سيئة ، ينحرف إلى معصية الله ،
ينحرف عقوق الوالدين ، ينحرف إلى غير ذلك من أشكال الانحراف التي يتألم لها الآباء
كثيراً .
وربما كان هذا الولد
في أول نشأته مطيعاً مطواعاً لوالديه ، قريباً من مسجده ، قريباً من كتاب ربه ،
فيزداد ألم الوالدين حينما يرى هذا الولد الذي كان حسن المسيرة ينحرف إلى سوء وشر
.
لذلك ينبغي أن تكون
تربية الولد على أسس متكاملة ، بحيث نبذل أحسن جهد للمحافظة على أبنائنا، فإن
انحراف الولد والشاب إنما يكون لنقص في تربيتنا في الغالب ، فما هي الأشياء التي
ينبغي أن نحرص عليها ، لنحافظ على أبنائنا .
إن أول أسباب ذلك أن
تكون الزوجة ذات دين وعلم ، لأن معظم التربية في البيت تتولاها الأم في العادة،
فإن لم تكن ذات تربية ودين وعلم وحكمة فإن تربية الولد سوف تفشل ، وإذا كان أحدنا
قد تزوج من ليست كذلك ، فليحرص على تربيتها وتنبيهها وتعليمها ـ في الحدود التي
تلزمها ـ ووقايتها ، قبل حرصه على ولده ، لتتولى ولده بعد ذلك معه .
ثم ما هي أهم الأمور
التي ينبغي أن نربي الطفل عليها حتى نحافظ على استقامته :
كثير منا يحرص على
تربية الولد على الصلاة وأخذه على المسجد ، وتحفيظه القرآن وهذا حسن ومطلوب ، إلا
أنه يحتاج معه إلى أشياء أخرى هي أهم منه ، وهي التي تغرس الأساس والعقيدة التي
بها يحافظ الولد على الصلاة ، ويحافظ على ارتياد المسجد بعد ذلك ، ويحافظ على
تلاوة القرآن ويحرص على حفظه وتعلمه ، وسبيل ذلك أن نعلم الولد حب الله وحب رسوله r
وتعظيمهما ، أن نعلم الولد تعظيم الإيمان والدين وتعظيم أوامر الله ، وتعظيم سنة
النبي r ، أن نعلم الولد ـ وكذلك البنت ـ
فرضية الصلاة وما هي معنى الفرضية ، وأهميتها وأثرها في الدنيا والآخرة ، حتى يشعر
الولد وهو ابن عشر بأن تأخيرها عن وقتها مصيبة وجريمة.
نحتاج أن نربي البنت
على الحجاب وأن نعلمها فرضيته ، وأن نعرفها ما لها فيه من الأجر ، وما عليها في
تركه من الوزر ، وأن ترك الحجاب من الكبائر ، وأنه سبب في الفساد وسبيل إليه .
نحتاج إلى تعليم الأبناء
والبناء على غض البصر من نعومة أظفارهم ، فلا نتركهم لا يبالون في هذا الأمر ،
فإذا كبروا لانت لهم معصية النظر إلى المحرمات ، وحرفتهم إلى الشهوات .
نحتاج أن نوعي الولد
والبنت إلى ما ينفعه في مستقبله من أمر دينه ودنياه ودراسته ، حتى لا يكون توجهه
إلى أمر أو دراسة منطلقاً من شهوته أو منطلقاً من حب الدنيا ، بل يكون منطلقاً من
حب الخير ، والعمل للآخرة ، والحرص على النفع الدنيوي والأخروي .
نحتاج إلى تربية
الولد على تعظيم كتاب الله ، وأن نعرف أبناءنا ـ وأنفسنا ـ أن القرآن ليس كغيره من
الكلام ، وليس كغيره من الكتب ، وليس أمره كأمر غيره .
تربيتهم
على الحياء والأدب والكلمة الطيبة، واحترام الكبير، فإن الحياء والأدب يرد الولد
إلى صوابه إذا ضاع.
تربيتهم على معرفة
الجهاد وهدفه في الإسلام ، وأنه فرض ، وتعريفهم بأن لنا أعداءاً غدروا برسول الله r من قبلنا ، أفلا
يغدرون بنا ، أن نشرب الطفل الحقد على أعدائنا وأعداء الله …
تربيتهم وتعريفهم
بسائر فرائض هذا الدين …
كل ذلك نستعمل فيه : الترغيب والترهيب .
و
أهم ما
يجب تربية الأبناء عليه ما ذكره الله تعالى في قصة لقمان فيما وصى به ولده
ورباه عليه:
ـ ﴿ يا بني
لا تشرك بالله ﴾، عدم الشرك، أي توحيد الله تعالى، ويشمل توحيد الله في ذاته وفي
صفاته وفي أفعاله، ومن صفات الله التي نوحده فيها: أنه الإله والرب والحَكَم.
فإذا غرسنا
في ذهن الصبي أن الرب النافع الضار المعطي المانع الهادي الرزاق المالك الخالق هو
الله؛ أدرك الصبي أنه محتاج إلى الله فقير إليه في كل شيء، فيجب أن يرجع إليه
ويتعلق به لا بسواه.
وما دام
الله هو الذي يقضي له حوائجه وهو الذي يملك الخير له وهو متصف بكل صفات الكمال
فيجب أن يجعل كل الحب له سبحانه.
وأنه ما
دامت كل المخلوقات مملوكة لله مفتقرة إليه وهو الذي يمدها ويعطيها إذن لا يجوز أن
تعبد سواه، فإذا فهم الصبي ذلك وعلم أدلته لم يتخذ إلهاً إلا الله الذي ليس كمثله
شيء.
وأنه ما
دامت المخلوقات مملوكةً لله فلا ينبغي أن تتصرف في ملكه إلا بإذنه، فإذا فهمنا هذا
الأمر نجعل الحكم لله في كل أمر، ونجعل الحكم لرسول الله r لأنه لا يحكم إلا بحكم الله، وهو المُخْبر عن حكم الله.
وإذا أدرك
الصبي هذه المعاني واقتنع بها من خلال أدلتها الشرعية والعقلية وخاصة دليل
المعجزات؛ فلا يخاف عليه إن شاء الله أن ينحرف عن طريق الإسلام، بل يكون ملتزماً
مستقيماً، وإن انحرف ـ لا سمح اللهـ بسبب الغفلة والشهوات؛ فإن هذه القناعات
لا بد أن ترده يوماً إلى الصواب بإذن الله.
ـ ﴿ ووصينا
الإنسان بوالديه ﴾، فيربى الولد ـ ذكراً أو أنثى ـ على بر الوالدين، وينبغي أن
يتعاون الوالدان في هذه التربية، بحيث يؤكد الوالد على ولده بر أمه، وتؤكد الوالدة
على ولدها بر أبيه، فإن الولد إذا أطاع والديه وأحبهما كانا مرجعاً له يستقي منهما
العلم والهداية، ثم يكون شاكراً لفضلهما.
وعلى
الوالدين أن يعينا الولد على بِرِّهما، وذلك بأن لا يثقلا عليه الأوامر، وأن يكونا
متحابَّين متعاونَين، وأن يستغلا حالة الصفاء والوُدِّ ليتحدثا معه في الخير ويقنعانه
به، أما إذا كان الوالدان في حالة غضب من الولد، فجعلا يأمرانه وينهانه بعد ضربه
أو توبيخه؛ فربما لا يستقبل الولد هذه النصائح، بل يتعامل معها بردة الفعل
والعناد.
ـ ﴿ واتبع
سبيل من أناب إليَّ ﴾، فكل عالم وصالح ووالد إذا كان منيباً راجعاً إلى الله
وأحكام الله فهو أهل لأن يُتَّبَع ويُحترَم ويُحَب، فينشأ الولد على أن الميزان في
اختيار الصحبة والشيوخ والميزان في الطاعة للمخلوقات أن يكونوا مطيعين لله راجعين
إليه، وإلا فليس لأحد طاعة ولا احترام إلا ما أطاع الله.
وإذا ربينا
الولد على هذا فإنه لا يتقبل ما يراه في المجتمع والبيئة والمدرسة والشارع
والتلفاز حتى يتأكد من أنه موافق لأمر الله، فيصير عند الولد بذلك مناعة من الشر
والباطل الموجود بين الأبناء والمجتمع.
ذلك أن
الطفل والصبي كلما رأى شيئاً أعجبه يريد أن يقلده، فلا بد أن نوصل إليه قناعة بأن
كثيراً مما حوله في هذا الزمان ليس سليماً، فلا يصح له أن يقلد شيئاً حتى يتأكد من
سلامته وصحته.
ـ ﴿ يا بني
إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها
الله، إن الله لطيف خبير ﴾، فيربى الولد على أن الله يراقبه، فإنه مهما حاولنا
مراقبة الولد فإننا لا نستطيع أن نراقب حالاته جميعها، أما إذا علَّمناه مراقبة
الله فإن وازع الخير والبعد عن الشر والأذى يصير في ضميره وعقله، فلا نحتاج إلى
كثير متابعة ولا إلى كثير تنبيه.
وليس تعليم
هذه المعاني بصعب على الأولاد، كل ما هنالك أنها تحتاج إلى خطاب ولغة تتناسب مع سنه،
فإنه يمكن أن يفهم هذه المعاني، بل يمكن أن يستفيد منها أكثر من الكبار لقوة حفظه
وقلة همومه، فإذا استوعبها الولد كانت أساساً في تزكية نفسه من الصغر، فلا يكبر
إلا وقد صار من أهل الاستقامة والولاية بإذن الله.
ـ ﴿ يا بني
أقم الصلاة ﴾، فيجب التأكيد على الصلاة عند الأولاد لأنها أم الفرائض، فإن اهتم
بها كان مهتماً بغيرها، وإن ضيعها فكيف نرجو منه أن يحافظ على غيرها، فنأمره بها
لسبع كما بين النبي r، فلا نزال نكرر الأمر من الوالدين لمدة ثلاث سنوات، فنذكره
بالصلاة ألوف المرات، فإذا صار عمره عشر سنوات ثم قصر فيها ضربناه، ولا يكون الضرب
ضرب حقد وتشفٍّ، وإنما هو ضرب تأديب، ويجب أن يسبقه إقناعٌ للولد بأهميةِ الصلاة
ووجوبِ طاعتنا لله، وتذكيرٌ بالجنة والنار ﴿ ثم إليَّ مرجعكم فأنبئكم بما كنتم
تعملون ﴾.
ـ
﴿ وأْمُرْ بالمعروف وانْهَ عن المنكر ﴾، وإذا ربي الولد على أن يكون آمراً ناهياً،
فإنه يكون حريصاً على نظافة البيئة من حوله وصلاحها، بل حريصاً على صلاح البشرية
فيحمل همَّ هدايتها ودعوتها، وإذا أمر بالمعروف فإنه يكون أحرص على الإتيان به،
وإذا نهى عن المنكر فإنه يكون أحرص على تركه.
ـ
ثم يربى على الأخلاق ليكون حسن المعاملة مع الناس يصبر على أذاهم ولا يغضب لنفسه،
ولا يستكبر ولا يرى نفسه فوق الناس، متواضع في مشيته، خافض من صوته لا يؤذي به
أحداً، والصبر والتواضع من أهم أخلاق الإنسان، فنبه الله في هذه الآيات عليهما مع
غيرهما فقال: ﴿ واصبر على ما أصابك، إن ذلك من عزم الأمور، ولا تُصعِّر خدك للناس
ولا تمش في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور، واقصد في مشيك واغضض من
صوتك، إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ﴾.
وإذا
ربي الولد على هذه الأمور، لم يعد يحتاج إلى أن يُعلَّم ويُدفع إلى الخير، بل يصير
هو بنفسه مندفعاً نحو الخير، محباً للصلاح والهدى، ويَدفَع غيره إلى ذلك.
ولا
يكفي في هذه الأمور أن نذكرها لأبنائنا مرة واحدة، بل لا بد من تكرارها مرة بعد
مرة، وغرسها في أذهانهم، واتخاذ الفرصة بعد الفرصة لتعميقها وتأكيدها عندهم.
قواعد في تربية الأولاد
1.
اتباع أسلوب
الإقناع
العقلي والشرعي لا مجرد التلقين، فإنه أدعى للقبول ولثبات المعلومات، بربطها
بأساسها ومَنشئها.
2.
أن يسبق التعليم ما
يوجب
الحب للمدرس والمربي والوالد، لأنه إذا وجدت المحبة والثقة سهل
التعليم، وزادت الرغبة في التلقي والانتفاع، ولا يفهم من هذا إسقاط الهيبة للمدرس
في عين الأولاد.
3.
استخدام
القول
اللطيف واللين مع الأولاد، والإكثار من الدعاء لهم بالصلاح والهداية إذا
أخطأوا، والبعد عن الذمِّ والقدحِ والتصغير والاحتقار والتسفيه والشتمِ والضربِ، وعدم
اتهامهم بما لم يثبت أنهم فعلوه، وعدم جرحِ المشاعر ولو مزاحاً، وليس الضرب هو الأًصل، و
محل الشدة في القول:
التمادي من الولد في الإٍساءة، و
محل الضرب: على الأفعال التي هي من
جنس الكبائر مما يعاقب عليه الشرع أو هدد عليه بالنار، كترك الصلاة لمن جاوز عشر
سنين أو كالسرقة وصدور ألفاظ الكفر أو الميل إلى الدخان والخمر والمخدرات وكشف
العورات .
4.
إثارة التفكير
واستخدام العقل، ومحاكمة الأشياء إلى العقل لمعرفة الصواب من الخطأ، وحث
الولد أن لا يتصرف تصرفاً إلا بعد تقدير صحته وخطئه، وأن لا يفعل فعلاً يعلم أنه
خطأ وشر وأذى.
5.
إظهار الاحترام
والتقدير للولد وأعماله الحسنة، لكن على وجه لا يصنع عنده الغرور، وإنما
يرافقه تنبيه له على فضل الله عليه ووجوب الشكر له سبحانه.
6.
التعرف على مشكلاتهم وهمومهم
وأفكارهم وقناعاتهم، من خلال الحوار والمباسطة في الحديث، لنستخرج خبايا التفكير
عندهم وخفايا الرغبات والمطالب والمقاصد التي يتطلعون إليها، ولمعرفة ما إذا دخل
عليهم فكر غير صالح أو تربية فاسدة أو تأثيرات شريرة أو أفكار هدامة أو خيالات
ممرضة، وما إذا كانوا يشعرون بأنهم مظلومون أو مهضوموا الحقوق، لتتم معالجة ذلك
بالتعاون مع الوالد والمدرسة ومراكز التحفيظ وخطب الجمعة وغير ذلك من محطات
التأثير والإعلام.
7.
عدم الملل من
تكرار
المعاني المهمة على الولد، فإن التكرار يغرسها ويعمقها ويزيد القناعة بها،
خاصة مع التنويع في عرضها.
8.
التكامل بين المدرِّسين والوالدين
في تربية الولد، وعدم التعارض والاختلاف بينهم فيما يعلمونه.
9.
مراعاة حاجة الولد إلى
الترويح بالمباحات وبالتنويع، حتى لا يدخل الملل والكسل والزهق إلى قلبه.