أكثر الذنوب وقوعاً
ـ الذنوب كلها خطيرة وكلها تفسد قلب الإنسان، وكلها يجب
التطهر منها، وتستوجب العقوبة إن لم يعف الله عنها، لكن حينما ننظر إلى
الواقع نجد أن وقوع المسلمين في الذنوب الكبيرة والصغيرة يكاد يكون قليلاً
إلا في ثلاثة ذنوب.
فقليل مِن المسلمين مَن يشرب الخمر، وأقل من ذلك من يسرق،
وأقل من ذلك من يقتل، وقليل من المسلمين من يتعامل بالسحر، ونادرٌ من
المسلمين من يلبس خاتم ذهب، ونادرٌ من المسلمين من يتغوط في طريق الناس،
وهكذا.
ولكن كثيراً مِن المسلمين مَن يقع في معاصي اللسان، وكثير مِن
المسلمين مَن يقع في الشهوات والنظر إلى ما يحرم النظر إليه، وكثير من
المسلمين من يصيب من المال الحرام، ونكاد نجد أكثر المسلمين اليوم يقعون في
هذه الذنوب في كل يوم مرات، وكثير منهم يقع في هذه الذنوب ولا يبالي،
فتشكل هذه الذنوب أهم ما يفسد حال الإنسان مع الله، وأهم ما يقيده عن
طاعته، وأهم ما يدسيه ويبعده عن التزكية.
لذلك نبهنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه الذنوب، ونبهنا
إلى أنها هي الذنوب الأكثر وقوعاً، فقد سُئِلَ عن أَكثرِ مَا يُدْخِلُ
النَّاسَ النَّارَ فَقَالَ: « الفَمُ وَالفَرْجُ»
([1])، ولما
كانت أكثر ذنوب الناس في هذين الذنبين فمن تخلص منهما صار حاله صالحاً،
وكأنه تخلص من كل الذنوب، وصار أهلاً لدخول الجنة لذلك قال صلى الله عليه
وسلم : « من توكل لي ما بين رجليه وما بين لحييه توكلت له بالجنة »
([2]).
ولما كان أكثر الناس يقعون في معاصي اللسان بين ساعة وأخرى؛
فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذنوب اللسان وكأنه لا شيء غيرها يدخل
النار، وبين أن السبيل لصلاح حال الإنسان أن يترك ذنوب الكلام، فقال صلى
الله عليه وسلم بعد أن ذكر أهم أبواب الخير لمعاذ بن جبل رضي الله عنه : «
أَلا أُخْبِرُكَ بِمَلاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ، قُلْتُ: بَلَى يَا نَبِيَّ
اللهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ قَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا، فَقُلْتُ: يَا
نَبِيَّ اللهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ، فَقَالَ:
ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ،
وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟ »
([3]
).
والنظر إلى ما حرم الله من أخطر الذنوب وأكثرها في هذا
الزمان، والنظر المحرم والشهوات من أخطر الذنوب على قلب الإنسان، لأنه إذا
تعلق بالشهوات غفل عن ذكر الله وأحكامه، وانشغل عن واجباته، وفسد حاله، قال
صلى الله عليه وسلم : « ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء »
([4]).
وأما الذنب الثالث فقد لا يكون كثيراً في الأزمان السابقة من
تاريخ المسلمين، لكنه صار اليوم كثيراً، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم
،فقال: « ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال، أَمِنْ
حلالٍ أمْ مِنْ حرام »
([5]).
وهذه الذنوب الثلاثة هي في الغالب التي تصنع الغفلة القلبية
أو تساعد عليها، وبسبب من هذه الذنوب تنشأ الأخلاق الفاسدة التي تكثر في
المجتمع كالظلم والغش والكذب والبخل.
فإذا كنا نسعى لإصلاح المسلم والمجتمع المسلم يجب أن نعطي
اهتماماً كبيراً للتوعية من خطر هذه الذنوب أكثر من غيرها، سعياً للتخلص
منها، فإذا تطهرنا منها نكاد نكون قد تخلصنا من ذنوبنا جميعاً، فيصبح
المجتمع مؤهلاً للهداية والولاية، ويصير نموذجاً جميلاً راقياً، مرغوباً
يصلح لأن يقتدى به.
([1])
رواه الترمذي رقم 2004 عن أبي هُريرة رضي الله عنه وقال : صحيح غريب،
ورواه ابن حبان والحاكم وصحح إسناده وزادا: « الأجوفان ».
([2]) رواه البخاري رقم 6807 عن سهل بن سعد الساعدي.
([3])
أخرجه الترمذي 2541 وقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وأخرجه الحاكم في
المستدرك رقم 3548 وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه .
([4]) رواه البخاري رقم 4808 ومسلم رقم 2741 عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما.
([5]) أخرجه البخاري رقم 1977، عن أبي هريرة رضي الله عنه .