[color=#660033]
بسم الله الرحمن الرحيم
يا كل العالم : أنا من أتباع محمد
كتبه / أبو الهيثم محمد درويش
أنزل الله تعالى أبانا آدم عليه السلام إلى الأرض والتقى هو وزوجه وكونا الأسرة الإنسانية وعمروا الأرض وأرسل الله من ذريته الأنبياء والرسل, قال تعالى: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿38﴾ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[سورة البقرة: 38-39]، وفي الآية الأخرى: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ ﴿123﴾ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ}[سورة طه: 123-124].
قال الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة المجلد 6 رقم الحديث 2668، ما نصه:
(كان آدم نبيا مكلما، وكان بينه وبين نوح عشرة قرون، وكانت الرسل ثلاثمائة وخمسة عشر).
عن أبي أمامة أن رجلا قال: ( يا رسول الله أنبيا كان آدم؟ قال: "نعم، مكلم" قال: "كم كان بينه وبين نوح؟"، قال: "عشرة قرون". قال: "يا رسول الله، كم كانت الرسل؟"، قال: "ثلاثمائة وخمسة عشر" )[قال الألباني إسناده صحيح].
وروي بلفظ: قال: (قلت: "يا نبي الله فأي الأنبياء كان أول؟"، قال: "آدم عليه السلام". قال: قلت: "يا نبي الله، أو نبي كان آدم؟"، قال: "نعم، نبي مكلم، خلقه الله بيده، ثم نفخ فيه من روحه، ثم قال له: يا آدم قبلا". قال: قلت: "يا رسول الله، كم وفى عدد الأنبياء؟"، قال: "مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا، الرسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر، جما غفيرا" )[ذكره الألباني في السلسلة الصحيحة وقال: فيه علي بن يزيد وهو الألهاني ضعيف، ومعان بن رفاعة لين الحديث]. وزاد في رواية: قال: ( "كم كان بين نوح وإبراهيم؟"، قال: "عشرة قرون" )[صحيح لغيره]. ولهذه الزيادة شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ: (كان بين آدم ونوح عليهما السلام عشرة قرون، وبين نوح وإبراهيم عشرة قرون، صلى الله عليهما)[قال الشيح: صحيح] أ هـ.
ومع إرسال أول رسول إلى الأرض بدأت المواجهة بين الكفر والإيمان بعد القرون الفاضلة التي تلت آدم وبعد أن دب الشرك في المعمورة.
واستمرت المواجهة بين الرسل والأنبياء إلي يومنا هذا وقد قص القرآن علينا من قصص الأنبياء مع أقوامهم الكثير.
وعبر التاريخ الإنساني ظهر وجهان للعملة الإنسانية من حيث موقفهم مع الأنبياء والرسل، فأما الوجه الأول فهم القديسين والصالحين من أتباع الرسالات, هؤلاء الذين أضاؤوا التاريخ الإنساني بقصص الصلاح والتقوى والزهد والورع والتبتل والإخبات؛ فمع نوح كان أهل السفينة، ومع إبراهيم كانت سارة ولوط ثم إسماعيل وإسحق ثم من تبعهم, ومع موسى كان صالحي اليهود، وكان الحواريون مع عيسى عليه السلام, ثم ختم الله الرسالات بمحمد صلى الله عليه وسلم ومن تبعه من أفاضل الأمة من الصحابة ثم التابعين ثم من تبعهم بإحسان.
وعلى مر العصور كان أصحاب الوجه الآخر الكالح من العملة الإنسانية يكيدون للرسل وأتباعهم كفراً وعناداً وبطراً.
فالأنبياء دينهم واحد وشرائعهم مختلفة وأتباعهم أتباع عقيدة واحدة فريدة هي عقيدة التوحيد منذ خلق الله الخلق لا تبديل لها.
جاء في صحيح الإمام مسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «"أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الأولى والآخرة"، قالوا: "كيف يا رسول الله؟"، قال: "الأنبياء إخوة من علات وأمهاتهم شتى ودينهم واحد فليس بيننا نبي"».
ومع التسلسل الواضح في النبوات والرسالات والذي اختتمه الله عز وجل بالرسالة المحمدية, تجد من أتباع الكتب السابقة من جحد جهلاً أو استكباراً, يطابق بفعله ما فعل اليهود مع عيسى عليه السلام من السب والمحاربة واتهام مريم الطاهرة بالزنا عياذاً بالله.
فالقوم يدعون محبة عيسى واتباعه, ويحاربون من بشرهم به عيسى وأمرهم بالسير خلفه.
فشابهوا مقابلة اليهود لعيسى بالنكران والجحود مع إلصاق اليهود أنفسهم بموسى وإلصاق النصارى أنفسهم بعيسى.
وقد بين الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أنه لا إيمان بعد بعثته إلا باتباع رسالته,
قال صلى الله عليه وسلم: (من سمع بي من أمتي أو يهودي أو نصراني فلم يؤمن بي دخل النار)[صححه أحمد شاكر].
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي)[رواه البخاري ومسلم].
ومن هنا سد الباب على كل مهرطق أو محرف أن يتمسك بكتابه المحرف أو يدعي الالتصاق بنبي من الأنبياء كذباً وزوراً فقد وحد الله الأمة الإسلامية خلف محمد صلى الله عليه وسلم بعد أن كان الأنبياء يبعثون إلى أقوامهم خاصة فيسع المرء أن يتبع نبيه دون غيره,
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
(أُعْطِيتُ خَمْساً لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِداً وَطَهُوراً فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِي الْمَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً)[أخرجه البخاري (335) واللفظ له، ومسلم (521)].
أنا من أتباع محمد:
المتأمل للقصة الإنسانية مع الرسالات السماوية يعرف قدر الرسالة المحمدية وكتابها الناسخ لكل الكتب والمتمم لجميع التشريعات والمكمل للديانات السماوية السابقة التي حرفها أهلها وطمسوا معالم النور فيها.
ويعرف كذلك قدر النبي الخاتم الذي أرسله الله تعالى ليختم بها الرسالات السماوية ولينقطع وحي السماء من بعده دلالة على إتمام الهدي السماوي المنزل إلى الأرض، وأنه من أراد الهدى فعليه بهذه الرسالة الكاملة ففيها تمام الأمن والاهتداء للبشرية.
لذا كان لزاما على كل من اصطفاه من بني آدم لأن يحمل شرف الانتساب إلى هذه الأمة العظيمة وإلى هذا النبي الخاتم وإلى هذا الكتاب الأكمل وإلى هذه الشرعة الكاملة, أن يفخر كونه من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم.
هذا النبي العظيم الذي بشر الله به في الكتب السابقة وذكره بأفضل الأوصاف وأجلها ثم ختم وصفه في آخر كتبه بشهادة سماوية على سمو خلقه فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[القلم: 4].
وقد بشر به في التوارة والإنجيل:
1. جاء في عظة بطرس للشعب -لليهود والوثنيين من بني إسرائيل قائلاً: "فتوبوا وارجعوا لِتُمحى خطاياكم؛ لكي تأتي أوقات الفَرَج مِن وجه الرب; ويُرْسَلَ يسوعُ المسيحُ المبشّر به مِن قَبْل" [وفي الأصل العبري: ويرسل الفارقليط. أي محمديم]. فالمقصود هنا محمد خاصة أنه جاء بعد هذا مباشَرَةً بشارةُ موسى بأن الرب سيقيم "لهم نبيًّا من وسط إخوتهم مثلك" (أعمال الرسل: 3/19-22).
والأشبه بموسى من عيسى هو محمد عليهم الصلاة والسلام (راجع الجدول في آخر هذه الرسالة). وكون النبي المبشَّر به من وسط إخوة أتباع موسى، يَدل بوضوح على أنه مِن العرب، فإن إبراهيم عليه السلام وُلد له إسماعيل من هاجر (وأولاده من العرب) وإسحاق من سارة (وأولاده من بني إسرائيل). فإسماعيلُ أخو إسحاقَ، وأولادُهما "إخوةٌ" مجازاً، وهذه الاستخدامات موجودة بوضوح في العهد القديم (انظر: التكوين: 16/12 و25/17).
2. "أجابهم يسوع وقال: الحقَّ الحقَّ أقول لكم: أنتم تطلبونني ليس لأنكم رأيتم آيات، بل لأنكم أكلتم من الخبز فشبعتم , اعملوا لا للطعام البائد، بل للطعام الباقي؛ للحياة الأبدية، الذي يعطيكم ابنُ الإنسان؛ لأن هذا الله الأب قد ختمه" (إنجيل يوحنا: 6/26،27).
3. "لأنه يُوْلَد لنا ولد، ونُعطي ابناً، وتكون الرياسة على كتفه، ويُدعى اسمُه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً، أباً أبديًّا، رئيس السلام" (أشعياء: 9/6). فاسم (محمَّد) مِن الحَمْد وهو المدح والثناء بالصفات الجميلة التي تُعْجِب الحامد، وهذا معنى كون الاسم "عجيباً" وكذلك اسم (أحمد) فاسمه أحمدُ الأسماء وأعجبُها. وهو رئيس السلام "الإسلام" {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}[الأنبياء: 107]، وسلامه هذا أبديّ فهو خاتم الأنبياء {وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّـهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}[الأنفال: 33].
4. "أقيم لهم نبيًّا من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي -الذي يتكلم به باسمي-: أنا أطالبه" (التثنية: 18/18،19).