الْحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ شَهْرَ رَمَضَانَ مَوْسِماً لِلطَّاعَاتِ, وَأَفَاضَ عَلَى الصَّائِمِينَ نَعِيمَ الرِّضْوَانِ وَالنَّفَحَاتِ, وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ شَرَعَ الصَّوْمَ صِحَّةً لِلأَبْدَانِ وَالأَرْوَاحِ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ هَدَى أُمَّتَهُ لِطَرِيقِ الْبِرِّ وَالْفَلاَحِ, اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أُولِي التُّقَى وَالنُّهَى, وَعَلَى مَنْ سَارَ عَلَى طَرِيقِهِمْ وَاقْتَفَى, وَسلِّمْ تَسْلِيمًا كثيرا .. أما بعد ،
معاشر المؤمنين ..
وحدة الامة مقصد هام من مقاصد الدين ،وغاية سامية من غايات الشريعة، فقد نهانا ربنا جلّ وعلا عن الفرقة والشقاق كما تفرق الذين من قبلنا فكان مآلهم للخزي والعذاب العظيم ، قال سبحانه وتعالى:" وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ "(آل عمران105)
وانما تتحقق الوحدة بالاعتصام بحبل الله تعالى وسنة رسول الله والتمسك بثوابت الدين واركان العقيدة ومعالم الشريعة ،كما أمر ربنا جلّ وعلا وقال:" وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ"
فتوحيد الله تعالى بألوهيته وربوبيته وباسمائه وصفاته لايدعى الا هو ولايستغاث الا به ولايحتكم الا اليه ولايقصد بالعبادة سواه ركن الايمان الركين وعموده القويم الذي ينبغي ان تتوحد الامة عليه.
والايمان بالقرآن العظيم أنه كتاب الله تعالى المنزل على محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم المحفوظ بحفظ الله له لاتبديل فيه ولاتحريف ،ولانقص فيه ولازيادة، ركن من اركان الدين وثابت من ثوابته ينبغي ان تلتقي الامة على الايمان به والخضوع لاحكامه واليقين بآياته.
واتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوقيره وتصديقه وتحكيم سنته وشريعته ونصرة دعوته ورسالته ثابت من ثوابت الاسلام ومعلم من معالم الشريعة لاتتم وحدة للامة بدونها ولاتلتقي الا تحت رايتها.قال تعالى:" لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً "(الفتح9)
وتوقير صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والترضي عليهم، والايمان بفضلهم، والقبول بما صح من نقلهم لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وبأنهم خير القرون بشهادة الله تعالى لهم ورضاه عنهم ،قال تعالى:" وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {التوبة100} وشهادة رسول الله بخيريتهم حين قال صلى الله عليه وسلم:"خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم " وعلى الاخص الخلفاء الراشدين المهديين الاربعة بوصية رسول الله وشهادته لهم بقوله صلى الله عليه وسلم:"عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الرشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ"
وتوقير زوجات النبي صلى الله عليه وسلم الطاهرات المطهرات بتزكية الله لهم ،قال تعالى:"إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطّهركم تطهيرا" فهنّ امهات المؤمنين رضي الله عنهن ،قال سبحانه :" النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم "(الاحزاب 6)
ومنهن الصديقة بنت الصديق عائشة بنت أبي بكر حبيبة رسول الله الطاهرة المطهرة المبرأة من الله جلّ وعلا بعد حديث الافك الاول ولعن من اتهمها في عرضها ،فقال سبحانه :"إن الذين جاءوا بالافك عصبة منكم لاتحسبوه شرّا لكم بل هو خير لكم ،لكل إمريء منهم ماكتسب من الاثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم"(النور 10)
عن عائشة رضيَ اللهُ عنها، أنَّها ذُكِرَتْ عند رجلٍ، فسبَّها! فقيل له: أليست أُمَّك؟! قال: ما هي بأمّ! فبَلَغَها ذلك، فقالت: "صَدَق، إنَّما أنا أمُّ المؤمنين، وأمَّا الكافرين فلستُ لهم بأمّ".( رواه الإمامُ قِوَامُ السُّنَّةِ الأصبهانيُّ التَّيْمِيُّ في «الحُجَّة في بيانِ المَحَجَّة» (377) مِن طريقِ عُروة) وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: "لَمَّا رَأَيْتُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طِيبَ النَّفْسِ, قُلْتُ: "يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ الله لِي". قَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَائِشَةَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهَا وَمَا تَأَخَّرَ وَمَا أَسَرَّتْ وَمَا أَعْلَنَتْ", فَضَحِكَتْ عَائِشَةُ حَتَّى سَقَطَ رَأْسُهَا فِي حِجْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الضَّحِكِ, فَقَالَ: "أَيَسُرُّكِ دُعَائِي?" فَقَالَتْ: "وَمَا لِي لا يَسُرُّنِي دُعَاؤُكَ?" فَقَالَ: "وَاللهِ إِنَّهَا لَدَعْوَتِي لأُمَّتِي فِي كُلِّ صَلاة". (أخرجه البزَّار في " مسنده " ( 2658 - كشف الأستار ) وحَسَّنه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (5 / 324)). بأبي أنت وأمي يارسول الله ما أعظمك وما أرحمك بأُمَّتِك، وصدق وصفك ربك ومولاك حين قال في حقك: "لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ". نفعني الله واياكم بهدي كتابه القويم وسنة نبيه الكريم اقول ماتسمعون واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي هدانا للإسلام وأكرمنا بالإيمان وشرفنا بالقرآن ، وأشهد الا اله الا الله وحده لا شريك له جعل امتنا خير امة أخرجت للناس،وأشهد ان نبينا محمدا عبده ورسوله أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين وصحبه الطيبين ومن تبعهم بإحسان اما بعد ..
معاشر المؤمنين ..
بتلك الثوابت والقواعد والاركان تتوحد الامة على أسس راسخة ومنهج قويم وارادة صادقة، فإن الاختلاف في الاصول والثوابت هو المذموم في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لاتنهض به أمة ولاتتحقق به ألفة ولاتتجسد فيه وحدة ،بل ستكون شعارات جوفاء وكلمات صماء تدغدغ المشاعر وتلهب العواطف وتخدّر الافئدة وتعمي الابصار قال تعالى:" وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (هود 118-119) هذا وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة والنعمة المسداة
الخطيب: يحيى العقيلي