الشورى في الإسلام

الشورى في الإسلام


الشورى من أهم الصفات التي يتصف بها المجتمع المسلم ويبني عليها قراراته سواء في الموضوعات الصغيرة أو الكبيرة وهذا ما أكد عليه القرآن حين قال الله تعالى: ﴿ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ﴾ (سورة الشورى آية: 38). وقال تعالى: ﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾ (سورة آل عمران آية: 159).

فكان - صلى الله عليه وسلم - يستشير صحابته في كثير من الأمور، فاستشارهم في غزوة بدر، واستشارهم في غزوة أحد، وكذلك شاورهم في حادثة الإفك، وكثير من أمور الحياة.

وجاء عن الترمذي: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: ) ما رأيت أحدًا أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (.

فالشورى في الإسلام ليست في المجال العسكري والسياسي ولا في مجال العمل أو نطاق الأسرة فحسب وإنما هي أسلوب حياة.

الصغير يسأل الكبير والكبير يسأل الصغير وكل منهما يسمع من الآخر وينصحه ويفاوضه ويجادله ويحاول أن يصل معه إلى رأي مشترك، نعم هذا هو الشيء الصحيح الذي يجب أن نلمسه في كل مجالات الحياة.

فإن عدم اجتياز الزوجين لاختبار الشورى في إدارتهما للأسرة يجعل البيت مهلهلا بينما تحقيق الشورى وممارستها يجعل الأسرة أقرب للحق وأبعد عن الخطأ، كما قال الحسن بن علي: «ما تشاور قوم إلا هدوا إلى أرشد أمورهم».

فليس المهم أن يكون الحق على لساني المهم أن أتبعه ولو أتى على لسان أحد من أهلي أو غيرهم.

أهم الأسباب التي تجعل الناس يهملون الحوار والتشاور.. وهي:

1- انشغال كل من الأب والأم وقلة مكوثهما في المنزل حيث إن متطلبات الحياة الحديثة قد زادت إلى حد جعل الكثير من الناس رجالا ونساء يقضون ساعات طويلة في العمل، وأحيانًا يكون عمل الزوجة صباحيًّا ويكون عمل الأب مسائيًّا وإذا أصاب الواحد منهما نجاحًا ظاهرًا في عمله فإن هذا يتطلب منه أن يكون يوم عمله مفتوحًا أي غير محدد بساعات معينة، وقد يتطلب منه كثرة الأسفار فيلقي عبء التربية كله على الزوجة، وفي كل هذه الحالات يشعر الزوجان أن الوقت يطاردهما ولهذا فليس هناك وقت لغير الضروريات.

2- الإنسان كائن اقتصادي بفطرته وطبعه، ولهذا فإنه ينصرف بشكل تلقائي عن كل الأعمال والأنشطة التي لا يرتجي من ورائها ثمرة أو شيئًا نافعًا، ومن هنا فإن الزوجين سوف يزهدان في الحوار فيما بينهما وسوف يفعلان ذلك مع الأبناء ويفعل ذلك الأبناء معهما حين يشعران أن الحوار سيكون عقيمًا، وعبارة عن مضيعة للوقت ومصدر لتكدير الخواطر.

3- تنعدم الشورى والحوار في بعض البيوت بسبب بعض المعتقدات والمفاهيم التي يطبقها الأبوان في التربية ومن الواضح أننا كلما خطونا خطوة إلى الوراء وجدنا ميلا لدى الآباء على نحو أخص إلى التحكم بالأسرة واتباع منهجية الحضور المهيب وإصدار الأوامر التي يجب أن تنفذ من غير نقاش.. قد ورثنا عن أسلافنا هذه المعاني حتى صار الحديث عن الحوار مع الأبناء يشكل نوعًا من التنازل غير المقبول أو يشير إلى شيءٍ يمس الكرامة، بعض الآباء حول البيت إلى ما يشبه (الثكنة العسكرية) حيث يكون الكلام معه بحسب التسلسل، الأولاد الصغار يطلبون حاجاتهم من أخيهم الكبير والأخ الكبير يتحين الفرصة المناسبة ليقدمها إلى أبيه، وهذا بحمد الله قد تراجع لكن ما زال موجودًا في بعض البيئات.

4- إن التقدم التقني السريع قد أقام تحالفًا مع الثراء الواسع على إضعاف الروابط الأسرية وتقليل فرص تواصل الأسر وتحاورها، وذلك لأن التقدم التقني في مجال الاتصال والبث الفضائي قد وفر لكل فرد من أفراد الأسرة إمكانية الانعزال عن أسرته والتواصل مع العالم الخارجي، ادخل اليوم إلى أي بيت في أي مدينة عربية وسترى صورًا عديدة من العزلة أحيانًا ترى الأسرة مجتمعة حول جهاز التلفاز لمتابعة مسلسل أو فيلم وقد علاها الصمت المطبق وبعد جلوس ساعة أو ساعتين في هذه الحالة يتذكر كل واحد ما عليه من واجبات ومسئوليات فيسرع إليها دون أن يجد الفرصة لأي حديث مع من حوله.

5- بعض الرجال لا يعرفون المسئوليات الأسرية والتربوية والأخلاقية التي تترتب على ممارسة بعض حقوقهم المشروعة، وعلى سبيل المثال: فإن الله تعالى أباح للرجل أن يجمع بين امرأتين إلى أربع نساء، وفي هذا حكمة بالغة وحل لإشكالات ومراعاة لظروف خاصة كثيرة كما أن النبي - صلى الله علية وسلم - حث على كثرة التناسل كما هو معروف ومشهور ولا شك في أن بعض الناس يوفقون للعدل بين زوجاتهم كما يوفقون إلى تربية أولادهم والعناية بهم، وإن كانوا عشرين أو ثلاثين، فإن هناك من لا يفكر في مسئولية العدل بين الزوجات وأداء حقوقهن على النحو المطلوب، كما أن هناك من لا يشغل نفسه بالتفكير في توفير الوقت المطلوب لمجالسة عشرة أو خمسة عشر من الأولاد.

وباختصار لو اتفق الزوجان على سياسة اتخاذ القرار فلهما مثلاً اتباع سياسة تفويض الرجل أو على ضرورة التشاور قبل أخذ أي قرار فالأمر لهما وخاضع للاتفاق بما يحقق العدالة ومصلحة الأسرة.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المراجع:

· التواصل الأسري أ.د. عبدالكريم بكار.

· بيوتنا كما يجب أن تكون لمحمد عبده.