الأسرة المسلمة والعولمة

الأسرة المسلمة والعولمة

• الأسرة والعولمة د/فؤاد عبد الكريم عبد العزيز آل عبد الكريم. • الأسرة المسلمة في زمن العولمة د/ فاطمة عمر نصيف. • دور الأسرة في تطبيق الشريعة الإسلامية أ.د/ بشير صالح الرشيدي. • مسار الأسرة أ.د/ عبد الكريم بكار.

يصدق معنى الأسرة في اللغة على الدرع الحصينة، وعلى أهل الرجل وعشيرته وعلى الجماعة التي تربطها أمور مشتركة، وهذه المعاني تلتقي في معنى واحد يجمعها وهو قوة الارتباط، وإذا كانت الأسرة بمعنى الأهل والعشيرة فهي المجتمع في صورته الصغرى، إلا أن المعنى الحالي للأسرة ينصب على الزوج والزوجة والأبناء المباشرين غير المتزوجين.

وتعتبر الأسرة من أهم مكونات السياق الاجتماعي والنفسي للتأثير على الشخصية حيث تمارس نفوذا كبيرا على أفرادها لأنها أول بيئة اجتماعية تتلقى الفرد وتوفر له الرعاية والغذاء وسائر متطلبات التنشئة الاجتماعية.

فإننا نعاني اليوم من ارتباك شديد على المستوى الأسري والاجتماعي في التعامل مع الوافدات الثقافية الجديدة التي باتت تتقاطر علينا من كل حدب وصوب، والمشكلة في الحقيقة تجاوزت حد الارتباك إلى شيء من المعاناة من الانقسام الاجتماعي حول كثير من العادات والتقاليد التي كانت موضع اعتبار. فكل هذه التغيرات والتجديدات والثقافات وما يدور حول الأسرة تسمى العولمة.

فالعولمة في معناها الشامل هي: التداخل الواضح في أمور الاقتصاد، والاجتماع، والسياسة، والثقافة، والسلوك دون اعتداد يذكر بالحدود السياسية للدول ذات السيادة، أو انتماء إلى وطن محدد، أو لدولة معينة، دون حاجة إلى إجراءات حكومية.

فهذه العولمة استهدفت في العقود الأخيرة من القرن العشرين عولمة الاجتماع والثقافة، وركزت تركيزا خاصا على الأسرة -نواة المجتمع- وسعت جاهدة لضرب مواطن القوة في المجتمعات بفرض أنظمة من شأنها أن تجعل النظام الأسري والاجتماعي واحدًا.

فالعولمة إذًا هي إكساب الشيء طابع العالمية وذلك بفرض نظام يُطبق على مجتمعات العالم كله. فإن العولمة شملت جميع جوانب الحياة الاقتصادية والثقافية والإعلامية والاجتماعية بفرض هيمنة الدول ذات النفوذ وفرضها أنماطا حضارية جديدة تخدم مصالحها بشتى الوسائل.

وكل ذلك يتم عن طريق استخدام: (وسائل الإعلام – والثقافة – وأدوات المعرفة –وشبكات المعلومات – وأجهزة الإعلام والسيطرة عليها).

فأصبحت الأسرة المسلمة تواجه اليوم كثيرا من التحديات، فقد أصبح العالم أشبه بالقرية الصغيرة في ظل تطور وسائل الاتصال ووسائل الإعلام وسيطرتها، وسوف يسكن الفساد والفسق بيوتنا وأخلاقنا إن لم نتمسك بعقيدتنا وأخلاقنا الإسلامية.

ولقد اهتم الكتاب الكريم والسنة النبوية المطهرة اهتماما بالغا واعتنى عناية فائقة بالأسرة وأحكامها وقضاياها، فلقد تضمن الدين الإسلامي الحنيف نسقا قيميا متكاملا للأسرة بما يضمن الحفاظ عليها قوية متماسكة بما يعود بالخير على المجتمع كله بكافة أفراده وتنظيماته الاجتماعية.

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ) خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي (.
والمقصود بـ "خيركم لأهله" خيركم لأسرته.

واهتم الإسلام بالأسرة لأن الأسرة تلبي مطالب الفطرة البشرية كإيجاد الولد وتدريب الإنسان على المسئولية وتحقيق سنة الزواج وإشباع مطالب الجسد والروح .. وكذلك لأن الأسرة لها مهام اجتماعية كحفظ النسب من الاختلاط وحماية المجتمع من الأمراض الاجتماعية والانحلال ومن الأمراض الجنسية المصاحبة للزنى وإعداد الفرد ليكون إنسانا صالحا وليقوم بواجب التكافل الاجتماعي.

فالأسرة هي المحضن الأساسي للنشء لا بديل له في الشريعة الإسلامية، ولذلك فإن أعداء الإسلام تنبهوا إلى سر ثبات أمتنا وقوتها وهي الأسرة فبادروا إلى تدميرها وإفسادها وأصبح الشغل الشاغل لتلك المجتمعات العالمية والمنظمات الغربية السعي لعولمة الحضارة ممثلة في الحياة الاجتماعية لتلك الدول عبر تقنين الإباحية والرذيلة باسم الحرية وتقويض بناء الأسرة.

وفي ظل هذه العولمة اشتد الهجوم على نظام الأسرة فتناول الأعداء هذا النظام بالهمز واللمز وإثارة الشبهات حول قوانينه وأحكامه لتشكيك الناس في أهميته، وسعوا جاهدين إلى إزالة الملامح الواضحة التي تقررها الشريعة الإسلامية وذلك عبر سلسة من العادات والقيم والوسائل التي تتآزر فيما بينها لتجعل هذه اللبنة نسخة مكررة من الأسرة في الغرب.
يوجد آثار إيجابية وسلبية للعولمة على الأسرة المسلمة .. ولكن حديثي في بحثي هذا عن الآثار السلبية.

ومن هذه الآثار السلبية للعولمة على الأسرة المسلمة:

• انحلال الروابط الأسرية وتمرد الشباب على ضوابط الأسرة.
• تردي علاقة الآباء بالأبناء.
• تهديد النظام الأخلاقي الإسلامي في الأسرة المسلمة، فمن خلال العولمة يروج للشذوذ الجنسي وغيره.
• تعميق الحرية الشخصية في العلاقات بين الرجل والمرأة وهذه الحرية تؤدي إلى الميول والرغبات الجنسية وتمرد الإنسان على النظم والأحكام الشرعية التي تنظم وتضبط علاقة الرجل بالمرأة.
• العمل على تفكيك الأسرة وإضعافها وقطع أواصرها.
• ومن مخاطر العولمة أنها تجيز الشذوذ الجنسي والعلاقات الجنسية الآثمة بين الرجل والمرأة، بل بين الرجل والرجل.

فنجد هذه الآثار منتشرة وكثيرة في عصرنا هذا.. وكل أسرة لو التزمت بما جاء في الكتاب الشريف والسنة المطهرة من ضوابط وقوانين أسرية لوجدنا هذه الآثار تنقرض من مجتمعاتنا.

وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.