بهجة أهل الغربة بالذَبَ عن الصحابية هند بنت عتبة
بقلم » أبو معاذ محمد مرابط
الحمد لله المتفضل على عباده بكريم فضائله , و المتصف بصفات تليق بكبريائه , حرَم الظلم على نفسه و حرَمه على عباده , دافع عن المؤمنين و أبان ذلك في محكم آياته , و الصلاة و السلام على من بلَغ و أحسن تبليغ رسالاته , أقام الدين و جاهد لإعلائه , وعلى آله و صحبه خيرة عباده و أوليائه,لا يحبهم إلا مؤمن صادق في إيمانه , و لا يزدريهم إلا شقيَ مرتاب في ديانته و إسلامه , و لا ينتقصهم إلاَمن اتبَع إبليس و أخذ من أوصافه .
وبعد :
- فإنَ قلب المؤمن يعتصر ألما تجاه ما يراه من حملات أهل النفاق و الجهل و الضلال على صحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم , نكاية في هذا الدين الحنيف الذي لولاهم ما وصلنا و ما عرفنا حقيقته !!
هي حقيقة عرفها كل عدو للإسلام , فشمر على ساعد الهوى و كشف عن ساق الجهل فأراد طمس الهدى , عرفوا من أين يأتون البيوت فأتوها من أبوابها , طعنوا في حملته فسهل عليهم كل صعب و الأمة الإسلامية في غفلتها غارقة , لم تستشعر بعدُ خطورة ما يُحاك من ورائها و الله المستعان .
ومن شديد مكرهم أنهم يعمدون إلى آحاد الصحابة فيسقطونهم واحدا واحدا , مكرا و خديعة حتى لا يتفطن لهم أحد , وعمدتهم في ذلك روايات مكذوبة و أخبار واهية لا تقبل في عامة الناس فكيف بالصحابة الكرام !!
ومن ألائك الذين نالتهم أيدي السفهة من الكتاب المعاصرين من الرافضة و أتباعهم من المفكرين صحابية جليلة المكانة , و عظيمة التقوى و الديانة – ألحق الله بالطاعنين فيها الذلَ و المهانة – هي تلك الولية الصالحة ( هند بنت عتبة ) - رضي الله عنها و أرضاها – أم معاوية ( كاتب الوحي ) - رضي الله عنه – أكرم بها من أم و أنعم به من ولد , أراد الله بها خيرا فأجرى لها الحسنات بعد موتها بما لحقها من ألسن خبيثة لم تخش الله في عرضها و هذه من نعم الله على الصحب الكرام
قالت عائشة - رضي الله عنها - ( إن أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم و كان الله عز و جل يُجري لهم أجورهم فلما قبضهم الله عز و جل أحبَ أن يجري ذلك الأجر لهم ) " الشريعة 1999 "
فمن هذا الباب كله أردت أن أرمي بسهم في نحور الأعادي لأن من المقرر عند الأوفياء , أن الحبيب يدافع عن محبوبه و الصديق لا يتأخر عن نصرة صديقه , و إذا لم يحصل ذلك ففي تلك المحبة دخن , و أسأل الله أن يكتب لي أجر ذلك فهو المقصود بالعمل أولا و آخرا
- ترجمتها و ذكر فضائلها :
- هي هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف القرشية والدة معاوية و امرأة أبي سفيان (1) أسلمت يوم الفتح و حسن إسلامها ,
كانت من عقلاء النساء ( أسلمت متأثرة بما رأت من حال المسلمين و بادرت إلى كسر صنمها و أصبحت تريد أن تعرف ما يحلَ لها و ما يحرم في الإسلام , كانت امرأة لها نفس و أنفة و فيها صراحة و جرأة ) (2)
قال الإمام الذهبي - رحمه الله - : ( كانت هند من أحسن نساء قريش و أعقلهن .. ولها شعر جيَد ) (3 )
و روت بعد إسلامها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , حيث ذكرها الإمام ابن حبان – رحمه الله – في كتابه " الثقات " ممن رووا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم رقم1443 روى عنها ابنها معاوية وعائشة (4)
قال البخاري - رحمه الله – ( باب ذكر هند بنت عتبة رضي الله عنها ) ثم ذكر حديث عائشة رضي الله عنها قالت : ( جاءت هند بنت عتبة فقالت : يا رسول الله ما كان على ظهر الأرض من أهل خباء أحب إلي أن يذلوا من أهل خبائك , ثم ما أصبح اليوم على ظهر الأرض أهل خباء أحب إلي أن يعزَوا من أهل خبائك قال : و أيضا و الذي نفس بيده.... ) الحديث برقم 3825
قال الحافظ - رحمه الله – في الفتح 7 /179 : ( قوله " قال و أيضا و الذي نفسي بيده " قال ابن التين : فيه تصديق لها فيما قالت )
قال العيني - رحمه الله- كما في ( عمدة القاري 16 / 391 ) :
( يعني : و أنا أيضا بالنسبة إليك مثل ذلك وقيل معناه : و أيضا ستزيد في ذلك و يتمكن الإيمان في قلبك فيزيد حبك لرسول الله صلى الله عليه و سلم .. )
فيا لها من منقبة عظيمة يظهر فيها صدق هذه الفاضلة الصالحة التي أكرمها الله بلقاء الحبيب المصطفى صلى الله عليه و سلم
قال العلامة ابن باديس - رحمه الله – ( الآثار 4 / 118 – 119 ) : ( انظر إلى الإسلام الصادق كيف تظهر آثاره في الحين على أهله و كيف يقلب الشخص سريعا من حال إلى حال و به تعرف إسلاما من إسلام )
و من فضائلها الجليلة و مناقبها الجميلة أن قوله تعالى : { يا أيها النبيَ إذا جاءك المؤمنات يبايعنك - إلى قوله تعالى - فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم } نزل فيها و في أخواتها و هذا بعد الفتح في مكة و قد ذكر ابن الجوزي في كتابه ( التلقيح ) أسماء كل الصحابيات اللواتي نزلت فيهن الآية فبلغ عددهم أربعامئة وسبع و خمسون كما ذكر في ( زاد المسير 8/43 )
قال الإمام الطبري في " جامع البيان 12 / 243 " :
( " واستغفر لهن الله " يقول : سل لهن الله أن يصفح عن ذنوبهم و يسترها عليهن بعفوه لهن عنها )
ومن كريم فضلها و من عظيم تكريم رسول الله صلى الله عليه و سلم لها أنها أهدت له جديين و اعتذرت من قلة ولادة غنمها فدعا لها بالبركة في غنمها فكثرت فكانت تهب وتقول : ( هذا من بركة رسول الله صلى الله عليه و سلم فالحمد لله الذي هدانا للإسلام ) (5)
و أما الشجاعة فكانت تمشي في عروقها في الجاهلية و الإسلام ومما سطرته أيدي التاريخ أنها شهدت اليرموك و حرَضت على قتال الروم فرضي الله عنها (6)
و من حسن إسلامها أيضا ما ذكره ابن عساكر – رحمه الله – في " تاريخ دمشق " 37 / 137 :
أنها ( لما أسلمت جعلت تضرب صنمها في بيتها بالقدوم فلذة فلذة وهي تقول " كنا منك في غرور " ) فأكرم بها و أنعم من توبة صادقة رفعهاالله بها و أكرمها بها أيما إكرام
فكيف يستجيز عاقل مسلم لنفسه الطعن أو سماعه في هذه الولية الصالحة و الموحدة التقية أما سمع بقول رسول الله صلى الله عليه و سلم :
( لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما أدرك مدَ أحدهم ولا نصيفه ) رواه الترمذي برقم 3861 و صححه الألباني
و لا يشك عاقل أن هندا رضي الله عنها داخلة يقينا تحت هذا الحديث , و هذا الحديث يعتبر سيفا قاطعا على رقاب الحاقدين على الصحب الكرام فكل من صحت في حقه الصحبة فعرضه محرم بنص هذا الحديث لأن شرف الصحبة لا يضاهيه شرف
قال الإمام النووي – رحمه الله – في " شرح مسلم 7 / 93 " :
( و فضيلة الصحبة و لو لحظة لا يوازيها عمل و لا تنال درجتها بشيء )
فالحمد لله الذي أكرم هندا بشرف عظيم و درجة رفيعة
قال العلامة صديق حسن خان - رحمه الله – في " السراج الوهاج 7 / 243 " :
( ولولا في فضائل الصحابة إلا قوله تعالى { محمد رسول الله و الذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركَعا سجَدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة و مثلهم في الإنجيل } إلى آخر الآية لكانت هذه الفضيلة كافية شافية لشرفهم الجليَ , و فضلهم العليَ , مع أن الآيات الكريمات و الأحاديث الصحيحات الصريحات قد تظاهرت على عظم منزلتهم عند الله في الدنيا و الآخرة و رفيع قدرهم في الأمة الأمية المرحومة , وهي أكثر من أن تذكر في هذا المحلَ و أشهر من أن ينبه عليها و خير الكلام ما قلَ ودلَ )
نعم صدق رحمه الله خير الكلام ما قل ودلَ , لكن مع من له قلب و عقل يفهم بهما نصوص الوحيين و يعظم شعائر ربه وحرمات صحابة نبيه صلى الله عليه وسلم , أما من استحكم الضلال على قلبه و أكنَ الأحقاد على أولياء الله فلن تفيده كلمات الهداية و لو سمعها ليل نهار نسأل الله العافية
ومما جاء من فضائل هند بنت عتبة رضي الله عنها ما قال رب العزة و الجلال : { لا يستوي منكم من أنفق قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد و قاتلوا و كلاَ وعد الله الحسنى }
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره 6 /552 :
( إنما نبه بهذا لئلاَ يهدر جانب الآخر بمدح الأول دون الآخر فيتوهم عنده ذمَه فلهذا عطف بمدح الآخر و الثناء عليه مع تفضيل الأول عليه )
قال مجاهد : { لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح } : من أسلم { و قاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد و قاتلوا } يعني أسلموا يقول : ليس من هاجر كمن لم يهاجر { وكلاَ وعد الله الحسنى } قال : الجنة (7)
قال العلامة السعدي – رحمه الله – في تفسيره 839 : ( أي الذين أسلموا و قاتلوا و أنفقوا من قبل الفتح وبعده كلهم وعده الله الجنة و هذا يدل على فضل الصحابة كلهم رضي الله عنهم حيث شهد الله لهم بالإيمان وو عدهم الجنة )
فوالله وبالله و تالله إن هندا رضي الله عنها معنية بهذه الآية و داخلة في هذا الوعد الرباني لا يشك في هذا من عرف قدر ربه و عظم شهادته
ومن فضائلها أيضا ما بوَب عليه الترمذي بقوله : ( باب الأنصار وقريش )ثم ذكر حديث ابن عباس رضي الله عنها قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اللهم أذقت أول قريش نكالا فأذق آخرها نوالا ) رقم 3908 وصححه الألباني
قال الحافظ المباركفوري - رحمه الله – في " تحفة الأحوذي 9 / 371 – 372 " : ( قوله " اللهم أذفت أول قريش نكالا " أي يوم بدر و الأحزاب " نكالا " بفتح النون أي : عذابا بالقتل و القهر و قيل : بالقحط و الغلاء فأذق آخرهم نوالا " أي : إنعاما و عطاء وفتحا من عندك )
و من فضائلها أيضا ما رواه مسلم رقم 2527 عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( نساء قريش خير نساء ركبن الإبل أحناه على الطفل و أرعاه على زوج في ذات يده )
فهند – رضي الله عنها – قرشية داخلة في هذا النص و الحمد لله
فلا نامت أعين الرافضة و أتباعهم من الجهلة الذين نجسوا ألسنتهم بأنواع الشتائم و السباب في حق هذه الصديقة الطاهرة !!
هذا ما وصلت له عيناي - مع تقصير كبير في البحث - عن فضائلها و مناقبها رضي الله عنها
توفيت سنة 14 هجرية في خلافة عمر و قيل في خلافة عثمان رضي الله عنهم وبه جزم الحافظ ابن حجر(
- دفع شبهة عن هند بنت عتبة رضي الله عنها :
كل من يذكر هندا من الجهلة لا يذكرها إلا بقصة أكلها من كبد حمزة رضي الله عنها و هذا من أعظم الآثار المشينة لذلك التمثيل الوقح ألا وهو فلم ( الرسالة ) الفاجر التي أصدرت ( اللجنة الدائمة للإفتاء ) فتوى في تحريم مشاهدته كيف لا وقد شوه معظم الصحابة ومن بينهم هند رضي الله عنها فكل من شاهد الفلم لا يعلم شيئا من إسلام هند بل حتى لا يعلم إسلامها و لا يستغرب هذا عندما تعلم أن الفلم سجل بمباركة اللجنة الشيعية العلمية كما هو مكتوب في آخره و الله المستعان
أولا : لو سلمنا جدلا أن القصة صحيحة ثابتة , فهند رضي الله عنها أسلمت و حسن إسلامها وتابت من ذنب هو أعظم من ذلك المذكور ألا وهو الشرك و الإسلام يجبَ ما قبله و الحمد لله
وقد أبدلها الله عداوة النبي صلى الله عليه و سلم محبتا له و إعزازا لشأنه قال شيخ الإسلام –ر رحمه الله – كما في " المنهاج 4 / 474 " : ( وكان هذا قبل إسلامهم ثم بعد ذلك أسلموا وحسن إسلامهم و إسلام هند وكان النبي صلى الله عليه و سلم يكرمها و الإسلام يجب ما قبله )
ثانيا : أن وحشيا رضي الله عنه لم يكن عبدا لهند و لم تأمره بقتل حمزة رضي الله عنه و قد ذكر البخاري – رحمه الله – قصته بطولها تحت باب ( قتل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ) حديث رقم 4072 جاء فيه من قول وحشي : ( فقال لي مولاي جبير بن مطعم : إن قتلت حمزة بعمي فأنت حرَ )
ثالثا : أن غالب الروايات التي ذكرها أهل التاريخ مرجعها لرواية ابن هشام في سيرته حيث قال : ( قال ابن إسحاق : ووقعن هند بنت عتبة كما حدَثني صالح بن كيسان و النسوة اللاتي معها يمثلن بالقتلى ...) ثم ذكر تمام القصة
فهل يعقل أن يطعن في عرض هذه الصحابية بمثل هذه الروايات المنقطعة فصالح بن كيسان من المائة الرابعة ,
قال العلامة محمد بن العربي السطائفي الجزائري - رحمه الله - ( المدرس بالحرم المكي سابقا ) في كتابه الذي يعتبر عمدة في بابه " إفادة الأخيار ببراءة الابرار 1 / 34 " : ( لقد كان المطلوب لزاما من كل مسلم لبيب أن لا يثق بكل ما يقوله المؤرخون في رجال الأمة الإسلامية عموما فأحرى في ساداتها الذين رفعوا قواعد هذا المجد الخالد – الصحابة رضوان الله تعالى عليهم – لأن التاريخ نقل محض يشترط فيه ما يشترط في الأثر )
فرحمه الله من عالم مؤصل لم يدع لكاذب ما يفتريه , فدونك يا عبد الله هذا الشعاع و اتخذه قاعدة حتى تسلم في دينك
- رابعا : من مفردات الإمام أحمد رحمه الله ما رواه في مسنده عن ابن مسعود برقم 4506 قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( ما كان الله ليدخل من حمزة شيئا النار ) وفي سياقه ذكر قصة هند
قال الإمام الهيثمي رحمه الله في " مجمع الزوائد 6/ 113 " : ( رواه أحمد وفيه عطاء بن السائب وقد اختلط )
وقال محقق كتاب " جامع المسانيد " لابن الجوزي رحمه الله 5 / 109 ( هذا إسناد فيه ضعف من جهة عطاء بن السائب و أضاف محققو المسند انقطاعه من جهة الشعبي فهو لم يسمع من عبد الله )
- خامسا : قال ابن عبد البر - رحمه الله – في " الإستيعاب 923 " :
( وقد قيل إن الذي مثَل بحمزة بن عبد المطلب معاوية بن المغيرة بن أبي العاص بن أمية و قتله النبي صلى الله عليه و سلم صبرا منصرفه من أحد فيما ذكر الزبير )