لقد جاء خبر الصدق من الملك الحق المبين (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) [الكوثر : 3] ليبقى كل شانئٍ للنبي صلى الله عليه وسلم وكل معارض لدينه هو الأبتر المقطوع المنبوذ . أين أبوجهل هل بقي ذكره أم التصق به وصف الجهل في حياته وبعد مماته ؟! وأين أبولهب لقد مات ومات ذكره فليس يعرف إلا بالهب ؟! و( سيصلى ناراً ذات لهب ) وأين ملوك الأكاسرة والقياصرة .. أين ماركس ولينين وستالين وهتلر وكمال أتاتورك جبابرة الأرض وجلادي الشعوب... لقد طمرتهم الأرض ونُسيت رسومهم , ولحقتهم اللعنات , وبائوا بثقل التبعات . لقد مزق كسرى كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسخر من رسوله,فدعاء عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يمزق الله ملكه,فمزق وقتل على يد أقرب الناس إليه– ابنه – ! وروى البخاري في صحيحه من حديث أنس قال : " كان رجل نصراني , فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران ,
وكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم , فعاد نصرانياً , فكان يقول : لا يدري محمد إلا ما كتبت له , فأماته الله , فدفنوه , فأصبح وقد لفظته الأرض , فقالوا : هذا فِعْل محمدٍ وأصحابه , نبشوا عن صاحبنا فألقوه , فحفروا في الأرض ما استطاعوا , فأصبح قد لفظته , فعلموا أنه ليس من الناس , فألقوه " .
علَّق شيخ الإسلام ابن تيمية على الحديث فقال: فهذا الملعون الذي قد افترى على النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يدري إلا ما كتب له , قصمه الله وفضحه بأن أخرجه من القبر بعد أن دفن مراراً , وهذا أمر خارج عن العادة ’ يدل كل أحد على أن هذا كان عقوبة لما قاله , وأنه كان كاذباً ..الخ ويقول أيضا رحمه الله : " وإنَّ الله منتقمٌ لرسوله ممن طعن عليه وسَبَّه ، ومُظْهِرٌ لِدِينِهِ ولِكَذِبِ الكاذب إذا لم يمكن الناس أن يقيموا عليه الحد ، ونظير هذا ما حَدَّثَنَاه أعدادٌ من المسلمين العُدُول ، أهل الفقه والخبرة، عمَّا جربوه مراتٍ متعددةٍ في حَصْرِ الحصون والمدائن التي بالسواحل الشامية، لما حصر المسلمون فيها بني الأصفر في زماننا، قالوا: كنا نحن نَحْصُرُ الحِصْنَ أو المدينة الشهر أو أكثر من الشهر وهو ممتنعٌ علينا حتى نكاد نيأس منه، حتى إذا تعرض أهلُهُ لِسَبِّ رسولِ الله والوقيعةِ في عرضِه تَعَجَّلنا فتحه وتيَسَّر، ولم يكد يتأخر إلا يوماً أو يومين أو نحو ذلك،ثم يفتح المكان عنوة ، ويكون فيهم ملحمة عظيمة ، قالوا : حتى إن كنا لَنَتَبَاشَرُ بتعجيل الفتح إذا سمعناهم يقعون فيه ، مع امتلاء القلوب غيظاً عليهم بما قالوا فيه . وهكذا حدثني بعض أصحابنا الثقات أن المسلمين من أهل الغرب – يعني المغرب - حالهم مع النصارى كذلك.أهـ ( الصارم المسلول ص 116-117(
وبالمقابل فقد علم بعض ملوك النصارى أن إكرام كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بقي فيه الملك ما شاء الله . ذكر ابن حجر في فتح الباري ج1 ص44 عن السهيليُ أنه بلغه أن هرقل وضع الكتاب في قصبة من ذهب تعظيماً له ، وأنهم لم يزالوا يتوارثونه حتى كان عند ملك الفرنج الذي تغلب على طليطلة ، ثم كان عند سِبطه ، فحدثني بعضُ أصحابنا أن عبد الملك بن سعد أحد قواد المسلمين اجتمع بذلك الملك فأخرج له الكتاب ، فلما رآه استعبر ، وسأل أن يمكِّنه من تقبيله فامتنع .
ثم ذكر ابن حجر عن سيف الدين فليح المنصوري أن ملك الفرنج أطلعه على صندوق مُصفَّح بذهب ، فأخرج منه مقلمة ذهب ، فأخرج منها كتاباً قد زالت أكثر حروفه ، وقد التصقت عليه خِرقَة حرير ، فقال : هذا كتاب نبيكم إلى جدي قيصر ، ما زلنا نتوارثه إلى الآن ، وأوصانا آباؤُنا أنه ما دام هذا الكتاب عندنا لا يزال الملك فينا ، فنحن نحفظه غاية الحفظ ، ونعظمه ونكتمه عن النصارى ليدوم الملك فينا " أهـ .
عباد الله :
إن فضائل النبي صلى الله عليه وسلم لا تكاد تحصى كثرةً فهو منّة الله على هذه الأمة
قال تعالى (لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ) [آل عمران : 164]
امتدحه ربه ورفع منزلته فهو أول من تنشق عنه الأرض ,وأول من يدخل الجنة , وله المقام المحمود الذي يحمده عليه الأولون والآخرون , والحوض المورود واللواء المعقود .. إلى غير ذلك من الفضائل والخصائص التي اختص بها عن غيره , وهي مدونة في كتب الدلائل والشمائل والخصائص والفضائل , لقد شهد بفضل نبينا صلى الله عليه وسلم القاصي والداني والصديق والعدو , وأنَّى لأحد أن يكتم فضائله صلى الله عليه وسلم وهي كالقمر في ضيائها , وكالشمس في إشراقها وهو صلى الله عليه وسلم كا الشمس للدنيا وكالعافية للبدن
يقول الشيخ جمال الدين الصرصري والذي قال عنه ابن كثير في البداية والنهاية ج6ص299 : الصرصري المادح , الماهر , ذو المحبة الصادقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم , يشبه في عصره بحسان بن ثابت رضي الله عنه وقد قتله التتار حينما دخلوا بغداد سنة 656هـ. يقول:
محمد المبعوث للنــاس رحمةً *** يشيِّد ما أوهى الضلال ويصلح
لئن سبَّحت صُمُّ الجبـال مجيبةً *** لداود أو لان الحديـد المصفح
فإن الصخور الصمَّ لانت بكفه *** وإن الحصــا في كفه ليُسَبِّح
وإن كان موسى أنبع الماء بالعصا *** فمن كفه قد أصبح المـاء يَطفح
وإن كانت الريح الرُّخاءُ مطيعةً *** سليمان لا تألـو تروح وتسرح
فإن الصبـا كانت لنصر نبينا *** ورعبُ على شهر به الخصم يكلح
وإن أوتي الملكَ العظيم وسخِّرت *** لـه الجن تسعى في رضاه وتكدح
فإن مفاتيح الكنــوز بأسرها *** أتته فرَدَّ الـــزاهد المترجِّح
وإن كـان إبراهيم أُعطي خُلةً *** وموسى بتكليم على الطور يُمنح
فهـذا حبيب بل خليل مكلَّم *** وخصِّص بالرؤيا وبالحق أشرح
وخصص بالحوض الرَّواء وباللِّوا *** ويشفع للعـاصين والنار تَلْفح
وبالمقعد الأعلى المقرَّب نــاله *** عطـــاءً لعينيه أَقرُّ وأفرح
وبالرتبة العليـا الوسيلة دونها *** مراتب أرباب المواهب تَلمح
ولَهْوَ إلى الجنات أولُ داخلٍ *** لــه بـابها قبل الخلائق يُفْتَح
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيم)[التوبة 8]
الخطبة الثانية
الحمدلله على إحسانه ....
أيها المسلمون : ويتساءل الجميع ما واجبنا وماهو دورنا المطلوب إن على كل مؤمن يحب الله ورسول صلى الله عليه وسلم ويغار لدينه أن ينتصر لرسوله وأن يقدم كل ما في وسعه لرد هذه الهجمة الشرسة .وعلى الدول الإسلامية أن تهب لنصرة نبيها وأن تستنكر ذلك أشد الاستنكار وأن تطالب مطالبة جادة برد الاعتبار ومعاقبة تلك الشرذمة الأفاكة رعاية لحق من أهم حقوقها. وعلى المؤسسات أن تقوم بدورها من خلال كتابة بينات تستنكر فيه هذا الفعل المشين وتطالب بمحاكمة هذه المجلات , رداً لاعتبار أكثر من مليار وأربعمائة مليون مسلم ! , ثم على المؤسسات والصحف والمجلات والمواقع الإسلامية وأهل الفكر والقلم أن يكتبوا ردودا على هذه الافتراءات,وأن تسطر على صفحاتها- بقلم يسيل عطراً- شمائل النبي صلى الله عليه وسلم وأن تبين الدور العظيم الذي قام به صلى الله عليه وسلم لإنقاذ البشرية وأنه أُرسل( رحمة للعالمين ) وهداية للناس أجمعين .
وعلى أهل المال والثراء أن يبذلوا مما أعطاهم الله لدعم تلك المواقف وإنشاء مواقع اكترونية خاصة بشمائل هذا النبي الكريم وربط الأجيال بهديه وسنته والدفاع عنه وكذا تمويل طباعة الكتب المتحدثة عنه وعن سيرته وتسهيل توزيعها وكذلك السعي لإنشاء قنوات إسلامية متخصصة بالرحمة المهداة وسيرته وسننه وشمائله وعلى المعلمين والتربويين وأهل العلم والفكر أن يستثمروا هذا الحدث بربط الجيل والأمة بهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم وإشاعة ثقافة السنة والسيرة في كل مجال ومناسبة
ويا مسلمون ويا أرباب التجارة والمال أوقفوا كل التعاملات التجارية مع الدنمارك، حتى يتم الاعتذار علنياً ورسمياً من تلك الصحيفة، وتذكروا أن المال زائل ، لكن المآثر باقية مشكورة في الدنيا والآخرة، وأعظمها حب رسول الله صلى الله عليه وسلم والانتصار له،