الخطبة الأولى :
الحمد لله الذي جعل محبة نبينا فرض على العباد ,وتوعد شانئه بجهنم وبئس المهاد,وأثاب محبيه بالجنة يوم المعاد . اللهم فصل على نبينا عدد ما في الأقلام من مداد , وصل عليه
ما لا يبلغ مداه من الأعداد , وعلى آله وصحبه ومن سلك مسلكه من الأجداد والأحفاد.
أما بعد :
إن من رحمة الله بعباده أنه لم يجعلهم هكذا هملا ، بل أرسل رسله مبشرين ومنذرين . وأنزل معهم الكتب لتنتقل بذلك حياة الناس من اليأس إلى الأمل ومن الشقاء إلى السعادة ومن الضيق إلى السعة ومن الفقر إلى الغنى ومن التيه إلى الحقيقة.
ذكر الله قصصهم ليكونوا عبرة للمعتبرين وآية للسائلين أوذوا فصبروا على ما كذبوا ، وأوذوا حتى أتاهم النصر من الله.
وإن هؤلاء الأنبياء وعلى رأسهم أولو العزم من الرسل عليهم السلام ابتلو في رسالتهم أيما ابتلاء .نوح عليه السلام يستهزئ به قومه وهو يصنع الفلك ، وكانت امرأته من الهالكين. إبراهيم عليه السلام يلقى في النار . موسى يعيش مع فرعون في بيت واحد ولو علم عنه لقتله .
وعيسى تآمر عليه الملأ ليصلبوه فرفعه الله إليه.
وأيوب مرض مرضا شديدا وفقد أهله وأصحابه فلم يبق معه أحد . ويوسف ألقي في الجب وابتلي بامرأة العزيز ،
وهكذا الأنبياء عليهم السلام تاريخ متواصل من الابتلاء والامتحان فأثابهم الله بما صبروا . فلم يقصروا في تبليغ دين الله ولم يتراجعوا ولم يهنوا لما أصابهم .
ومن الأنبياء والرسل يخرج لنا نورا يضيء المشرق والمغرب ريحانة تهتز ونورا يتلألأ نبينا صلى الله عليه وسلم محمد بن عبدالله هذا النبي الكريم الذي نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده .
هاهو يبلغ دين الله ويعرض نفسه على القبائل فتطرده وتمضي السنوات وهو يؤذى في مكة ، ويرى أصحابه يعذبون في حر الهجير وهم يستغيثون بالله تعالى وهو لا يستطيع أن يفعل شيئا . ثم يؤمر بالهجرة فيخرج من بلده مكة ويقف على شفير خارج مكة ويقول : والله إنك لأحب البقاع إلى الله ، ووالله إنك لأحب البقاع إلي ولو أن قومك أخرجوني ما خرجت
ياطريدا ملأ الدنيا اسمه وغدا لحنا على كل الشفاه
وغدت سيرتـه أنشـودة يتـــلقــاها رواة عـن رواة
ليت شعري هل درت من طاردو عابدواللات وأصحاب مناة
يوم أحد يشج رأسه وتكسر رباعيته ويتكالب الأعداء على قتله يوم الخندق يتحزب الأحزاب طلبا لرأسه ويتآمر اليهود لقتله في كل وقت وفي كل آن هذا هو النبي الكريم الذي أمرنا الله
باتباع سنته وجعله المصدر الثاني من مصادر التشريع .
لاتحصى فضائله ، ولا تعد مزاياه ...فهو خير خلق الله.
ما من صفة كمال إلا اتصف بها، ولا قبيحة إلا وتبرأ منها
أقسم الله الصادق العليم بـ(النجم إذا هوى)على تزكية المصطفى والثناء عليه
صلى الله عليه وسلم فزكى عقله فقال (ما ضل صاحبكم وما غوى) وزكى لسانه فقال (وما ينطق عن الهوى)
وزكى شرعه فقال (إن هو إلا وحي يوحى)
وزكى معلمه فقال (علمه شديد القوى ،ذو مرة فاستوى)
وزكى قلبه فقال (ماكذب الفؤاد مارأى)
وزكى بصره فقال (مازاغ البصر وماطغى) وزكى أصحابه فقال ( والذين أمنوا معه أشداء على الكفار رحماء بينهم)و زكاه كله فقال ( وإنك لعلى خلق عظيم) ووصفه بصفتين من صفاته فقال( بالمؤمنين رؤو ف رحيم )نعته بالرسالة (محمد رسول الله) وناداه بالنبوة فقال( ياأيها النبي)و شرفه بالعبودية فقال ( سبحان الذي أسرى بعبده ) وشهد له بالقيام بها فقال (وأنه لما قام عبد الله يدعوه) صلى الله عليه وسلم ... شرح الله له صدره ، ووضع عنه وزره، ورفع له ذكره ... وأتم أمره، وأكمل دينه، وبرّ يمينه.... ما ودّعه ربه وما قلاه...بل وجده ضالاً فهداه ،وفقيراً فأغناه ، ويتيماً فآواه.وخيّره بين الخلد في الدنيا ولقاه، فاختار لقاء مولاه ،وقال ( بل الرفيق الأعلى )
تالله ما حملت أنثى ولا وضعت’’’’’’ مثل الرسول نبي الأمة الهادي
ولا برى الله خلقاً من بريته ’’’’’’ أوفى بذمة جارٍ وبميعاد
من الذي كان فينا يستضاء به’’’’’ مبارك الأمر ذا عدل وإرشاد
صلى الله عليه وسلم وفي هذا الزمان يأتي أقوام ما عرفوا الله طرف ساعة وما اعدوا لقيام الساعة يعيدون التاريخ بصورة أخرى جديدة فيتهمون النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه بالإرهاب وأنهم سبب التفجيرات والخراب في العالم ،ما اكتفو بذلك بل رسموا النبي صلى الله عليه وسلم بكاريكاتيرات يصورنه إرهابي معه قنابل وأسلحة وغير ذلك .
فمعذرة يا رسول الله ما عرفوك حق معرفتك وما قدروك حق قدرك وما عرفوا منزلتك ومكانتك .