سرقة المعلومات السرية
على الإنترنت معصية تستوجب العقوبة أكد فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي أن سرقة المعلومات المحمية بأرقام سرية من
على الانترنت تعتبر سرقة، لأن سارقها ارتكب معصية لا حد فيها ولا كفارة،
فاستوجب العقوبة تعزيرًا لا حدًا، حيث أن من المعلومات ما يُنفق عليها
عشرات الملايين أو مئات الملايين، ومن حقِّ مَن أنفق هذه النفقات الطائلة
أن ينتفع بثمار ما أنفق، وخصوصا أنها قد تكون معلومات عسكرية أو إستراتيجية
ونحوها.
وقد جاء إلى الشيخ قرضاوي سؤال صيغته كالتالي: فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي تحية طيبة وبعد، أنا باحثة أقوم بعمل
رسالة دكتوراه، وأريد الاستنارة برأيكم في أحد مباحثها، وهو: هل تعدُّ
عملية سرقة المعلومات المحميَّة بأرقام سرية، وعملية سرقة الأموال عبر
بطاقات الائتمان، عبر شبكة المعلومات (الإنترنت): سرقة تستوجب عقوبة
تعزيرية أم حَدِّية؟ وإذا كانت عقوبة هذه الجريمة تعزيرية، فما الأمور التي
منعت من إقامة العقوبة الحَدِّية؟ولكم جزيل الشكر.
وجاء رد فضيلة الشيخ القرضاوي كالتالي: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه
،وبعد.. فقد عرَّف الفقهاء السرقة التي يجب فيها الحدُّ بأنها: أخذ مال
الغير خُفية، بشرط أن يبلغ المال نصابا، وألاَّ تقوم شبهة تُسقط الحدَّ.
فلا بد إذن لتحقُّق السرقة الشرعية أن يكون المسروق مالا، وأن يبلغ نصابا،
وقد اختلفوا فيه، وأن يكون الأخذ خُفية، لا عن طريق المغالبة كالحرابة، ولا
عن طريق الأخذ والهرب بسرعة كالاختلاس.وأن يخرج المسروق من حيازة مالكه،
ليُدخله في حيازته، و ألا تكون له شبهة تؤثِّر في إسقاط الحدِّ، كأن تكون
له شركة في المال، أو من الورثة، أو نحو ذلك.
وبالنظر في هذه المكوِّنات لجريمة السرقة، ننظر في السؤال المطروح، وهو في
الحقيقة يتضمَّن سؤالين:الأول عن سرقة المعلومات المحميَّة بأرقام سرية،
والثاني: عن سرقة الأموال عبر بطاقات الائتمان، عبر شبكة المعلومات
(الإنترنت)، بحسب صحيفة الوطن القطرية.
وأودُّ أن أبادر فأوكِّد هنا: أن كلَّ هذه السرقات من (المعاصي) المحرَّمة
في الإسلام، وهي تنافي حقيقة الإيمان، وفي الحديث الصحيح المتَّفق عليه:
«لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن»، بل تعتبر السرقة من كبائر المعاصي؛
لأن الكبيرة معصية فيها حدٌّ في الدنيا، أو وعيد شديد في الآخرة. والسرقة
فيها الأمران معا.
ولكن قد يوجد خلاف في تكييف هذه المعصية أو هذه الجريمة: هل ينطبق عليها
تعريف (السرقة)، كما ذكره الفقهاء في حدِّ السرقة أم لا ينطبق؟
فبالنسبة لسرقة المعلومات، يظهر أن المسروق هنا ليس بمال، وإن كانت له قيمة
كبيرة، فلا ينطبق عليه أنه سرقة بالمعنى الاصطلاحي، إذ السرقة هي أخذ
المال خُفية.
وقد يشكِّك بعض الناس في مشروعية كتمان العلم عن الغير، ويرى أن العلم يجب
أن يُتاح للجميع، حتى إن من الناس مَن ينكر حقوق التأليف والنشر، ويجيز نشر
الكتب من غير إذن مؤلفيها. وهم محجوجون في ذلك، ومردود عليهم.
ومن المعلومات ما يُنفق عليها عشرات الملايين أو مئات الملايين، ومن حقِّ
مَن أنفق هذه النفقات الطائلة أن ينتفع بثمار ما أنفق، وخصوصا أنها قد تكون
معلومات عسكرية أو إستراتيجية ونحوها.
المهم أن هذا التشكيك قد يكون شبهة تدرأ الحدَّ، لو افترضنا أن هذه
المعلومات مال، أو تقدر بالمال، وهنا تجب العقوبة التعزيرية، لأنه ارتكب
معصية لا حدَّ فيها ولا كفارة، فاستوجب العقوبة تعزيزا، لا حدًّا.
وبالنسبة للسؤال الثاني: سرقة المال من البنوك ونحوها عن طريق بطاقة
الائتمان، ومعرفة رقم بطاقة الشخص، ومعرفة رقمها السري، وصرف المال - وقد
يكون بالملايين - عن هذا الطريق، فالذي أراه هنا: أن هذه سرقة مكتملة
الأركان، فالمسروق مال، ومأخوذ بطريق الخُفية، فقد أخفاه عن البنك، وأخفاه
عن صاحب المال، وهو أكثر من النصاب المطلوب، وليس له أدنى شبهة في سرقته.
فهذه سرقة كاملة يجب أن يُقام على السارق فيها الحدُّ، وتنفيذ قول الله
تعالى «وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً
بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» المائدة:
38.والحقيقة أن هذه السرقة تتضمَّن عدَّة جرائم: ففيها جريمة الاعتداء على
البنك، وجريمة الاعتداء على سريَّة البطاقات، وجريمة الاعتداء على المال،
وجريمة استخدام نعم الله مثل الإنترنت في معصية الله تعالى، وإضرار عباده.
فهو يستحقُّ العقوبة الحدية، وقد يستحقُّ عقوبة أخرى معها، ولا سيما إذا
كان من موظفي البنك؛ لأنه مع السرقة خان الأمانة.