س : بماذا تُعرَََََََّفُ الرقية الشرعية ؟
ج : وللجواب عن هذا السؤال أقول :
الرقية الشرعية : هي تعويذ المريض
1- بالقرآن
2- و الأذكار المأثورة
3- و الأذكار الجائزة
4- والأفعال المأثورة
5- والأفعال الجائزة
طلباً من الله أن يشفيه .
س : ما المقصود بتعويذ المريض ؟
ج: المقصود بتعويذ المريض هو اللجوء إلى الله لشفاء المريض ، ففي اللغة : استعاذ به : لجأ إليه . وعوّذه بالله أي أعاذه بالله ( انظر مختار الصحاح : مادة عوذ )
أعاذني الله وإياك من كل سوء .
س : قد عرفنا ما المقصود بالتعويذ ، ولكن ماذا تقصد بالأذكار المأثورة ؟
ج : أقصد بالأذكار المأثورة أي الأذكار والأدعية التي وردت في القرآن الكريم أو صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم .
أرشدنا الله وإياك إلى التمسك بسنته .
س : هل من الممكن أن تذكر بعض الأذكار المأثورة في الرقية ؟
ج: نعم ، سأذكر لك بعض الأمثلة من الأذكار المأثورة ، منها :
بسم الله الرحمن الرحيم
] قُلْ أَعُوذُ بِربِّ الفَلَقِ % مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ % وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ % وَمِنْ شِرِّ النَّفَّاثَاتِ في العُقَدِ % وَمِنْ شِرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ [ ( سورة الفلق )
والشاهد فيها : أن الله يأمرنا أن نستعيذ به ونلجأ إليه من الشرور التالية :
من شر كل شيء خلقه الله ، و من شر الليل إذا حلَّ ؛ لأن الليل موطن الخوف ، ومن شر السِّحر ، ومن شر الحسد .
ومنها أيضاً :
ما رواه ( مسلم : 4056 ) أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ اشْتَكَيْتَ فَقَالَ نَعَمْ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ اللَّهُ يَشْفِيكَ بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ
والشاهد في الحديث أن جبريل رقى النبي صلى الله عليه وسلم وعوّذه من الشرور المذكورة في الحديث .
وروى ( البخاري : 5243 ) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَتَى مَرِيضًا أَوْ أُتِيَ بِهِ قَالَ أَذْهِبْ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا .
والشاهد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرقي المريض بما ورد ، طالباً من الله ومستعيناً به أن يشفي المريض الشفاء التام .
وكذلك روى ( مسلم : 4082 ) عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعًا يَجِدُهُ فِي جَسَدِهِ مُنْذُ أَسْلَمَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِكَ وَقُلْ بِاسْمِ اللَّهِ ثَلَاثًا وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ أَعُوذُ بِاللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ .
والشاهد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه أن يرقي نفسه بالبسملة والدعاء المذكور .
وهذا ليس كل ما أُثر من الرقية ، بل هذا من باب التمثيل لا الحصر .
س : إن الرقية تكون بالأذكار المأثورة والأذكار الجائزة . فما الفرق بين الأذكار المأثورة والأذكار الجائزة ؟
ج : هنالك فرق بين الأذكار المأثورة والأذكار الجائزة ، والذي أقصده بالأذكار المأثورة هي الأذكار والأدعية التي وردت في القرآن الكريم أو صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم .
والذي أقصده بالأذكار الجائزة تلك الأذكار التي توافق تعاليم الإسلام وعقيدته وأحكامه وإن لم تكن نصوصها مأثورة .
س : ما الدليل على أن الرقية تكون بالأذكار الجائزة ؟
ج: الدليل على أن الرقية تكون بالأذكار الجائزة ما رواه ( مسلم : 4079 ) عن عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ كُنَّا نَرْقِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ فَقَالَ اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ .
والشاهد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز الرقى ؛ كلَّ الرقى ، ولكن بشرط خلوها من الشرك ، وأجازها وإن لم تكن مأثورة عنه ، وإن كانت من رقى الجاهلية ، وكل هذا بشرط خلوها من الشرك .
إذن ؛ جواز الرقية غير متوقف على المأثور ، ولكن جوازها متوقف على خلوها من الشرك .
قال أبو الطيب آبادي في (عون المعبود ج10/ص266) :
" والحديث فيه دليل على جواز الرقي والتطبب بما لا ضرر فيه ، ولا منع من جهة الشرع ، وإن كان بغير أسماء الله وكلامه لكن إذا كان مفهوماً ؛ لأن ما لا يُفهم لا يُؤمَن أن يكون فيه شيء من الشرك " .
س : ما الشروط التي يجب أن تتوافر في الرقية حتى تكون شرعية ؟
ج :لا بد أن تتوفر الشروط التالية في الرقية حتى تكون شرعية :
أولاً : أن تكون أقوال الرقية وأفعالها مشروعة أي من القرآن أو السنة أو ما كان جائزاً .
ثانياً : أن تكون بلغة مفهومة أي بالعربية للعربي . وبالفرنسية للفرنسي ، فالمسلم الفرنسي قد يرقي ابنه باللغة الفرنسية ، أي في الأدعية والأذكار ، أما القرآن فلا بد أن يقرأ بالعربية كما هو معلوم .
ثالثاً : أن يعتقد الراقي والمَرْقِيُّ أن الشفاء من الله ، لا من الرقية ولا من الراقي .
س : فيما سبق فرّقت بين الأذكار المأثورة والأذكار الجائزة ، ولكن ما الفرق بين الأفعال المأثورة و الأفعال الجائزة ؟
ج : الفرق بين الأفعال المأثورة والأفعال الجائزة أن الأفعال المأثورة مروية عن النبي صلى الله عليه وسلم بكيفية مخصوصة ، و أما الأفعال الجائزة فهي أفعال لم تروَ عن النبي صلى الله عليه وسلم بكيفيتها المخصوصة ، ولكن جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على جوازها .
فأما مثال الأفعال المأثورة فما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم " وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا " رواه ( مسلم : 4058 ) أي إذا طُلب من العائن أن يغسل بعض أعضائه حتى تُسْكَب على المعيون فعلى العائن أن يغسل .
وأما مثال الأفعال الجائزة فهو : كتابة بعض آيات القرآن بالزعفران أو غيره من المداد الطاهر على الورق ثم غسله بماء في وعاء ثم الاغتسال منه والشرب منه .
وكذا قراءة القرآن على الماء والنفث عليه ثم الشرب منه والاغتسال به ، أو الرش منه على الأولاد والممتلكات .
وكذا القراءة على زيت الزيتون وغيره من الزيوت والادّهان بها .
وقد يقول قائل : وما دليل جواز هذه الأفعال ؟
فأقول له : قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ " ( مسلم : 4079 )
والشاهد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز الرقى ؛ كلَّ الرقى ، ولكن بشرط خلوها من الشرك ، وأجازها وإن لم تكن مأثورة عنه ، وإن كانت من رقى الجاهلية ، وكل هذا بشرط خلوها من الشرك والمعصية .
س : الذي أعلمه أن الرقية تكون لعلاج العين والسحر والمس ، ولا أعلم أن علاج الأمراض العضوية بالرقية أمر مشروع ، فهل هذا صحيح ؟
ج : الصحيح أن علاج الأمراض العضوية بالرقية أمر مشروع ، والدليل على أن الرقية من الأمراض العضوية أمر مشروع ، هو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اشْتَكَى نَفَثَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ وَمَسَحَ عَنْهُ بِيَدِهِ ( البخاري : 4085 ) ( مسلم : 4066 )
والشاهد هنا : " اشتكى " أي تألم جسده .
وكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ نَفَثَ عَلَيْهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ ( مسلم :4065 ) والنفث شبيه بالنفخ .
والشاهد هنا أن النبي صلى الله عليه وسلم رقى أهله من المرض .
وفي هذين الحديثين دليل على أن الرقية مما يستشفى به لعلاج الأمراض العضوية ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرقي بالمعوذات نفسه وأهله من الآلام والأوجاع والأمراض .
قال النووي : " والنفث نفخ لطيف بلا ريق ، فيه استحباب النفث في الرقية ، وقد أجمعوا على جوازه ، واستحبه الجمهور من الصحابة والتابعين ومن بعدهم .
.... وقد اختلف العلماء في النفث والتفل ، فقيل : هما بمعنى ولا يكونان إلا بريق . قال أبو عبيد يشترط فى التفل ريق يسير ولا يكون في النفث . وقيل : عكسه .
... قال القاضي : وفائدة التفل التبرك بتلك الرطوبة والهواء والنفس المباشرة للرقية , والذكر الحسن .
... كما يتبرك بغسالة ما يكتب من الذكر والأسماء الحسنى " ( شرح النووي على صحيح مسلم ج14/ص182 )
وكذلك فقد روي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ انْطَلَقَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَاسْتَضَافُوهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْحَيِّ فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَنْفَعُهُ شَيْءٌ
فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَيْءٌ فَأَتَوْهُمْ فَقَالُوا يَا أَيُّهَا الرَّهْطُ إِنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ وَسَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَنْفَعُهُ فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مِنْ شَيْءٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ نَعَمْ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْقِي وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَقَدْ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا فَمَا أَنَا بِرَاقٍ لَكُمْ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا .
فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنْ الْغَنَمِ فَانْطَلَقَ يَتْفِلُ عَلَيْهِ وَيَقْرَأُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَمَا بِهِ قَلَبَةٌ قَالَ فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمْ الَّذِي صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ اقْسِمُوا فَقَالَ الَّذِي رَقَى لَا تَفْعَلُوا حَتَّى نَأْتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِي كَانَ فَنَنْظُرَ مَا يَأْمُرُنَا فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا لَهُ فَقَالَ وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ ثُمَّ قَالَ قَدْ أَصَبْتُمْ اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( البخاري : 2115 )
والشاهد في الحديث أن الصحابي رقى الملدوغ بالفاتحة ، وآلام البدن بسبب السم من الأمراض العضوية ، وهذا لا يخفى على أحد .
قال ابن حجر :
" وفي الحديث جواز الرقية بكتاب الله , ويلتحق به ما كان بالذكر والدعاء المأثور , وكذا غير المأثور مما لا يخالف ما في المأثور , وأما الرقى بما سوى ذلك فليس في الحديث ما يثبته ولا ما ينفيه " ( فتح الباري ج4/ص457 )